والنزعة المشيحانية يمكن أن تأخذ أشكالاً مختلفة، فهي باعتبارها تعبيراً عن الحلولية اليهودية (أي حلول الإله في مخلوقاته وتوحُّده معهم) تكتسب بُعداً مادياً قومياً شوفينياً متطرفاً (إذ كانت حلولية ثنائية صلبة) ، حيث إن وصول الماشيَّح يعني عودة الشعب المختار إلى صهيون، أو وصوله إلى أورشليم التي سيحكم منها الماشيَّح، قائد الشعب اليهودي، بل قائد شعوب الأرض قاطبة، فهنا هو خلاص لليهود وحدهم وسينتقم اليهود من أعدائهم شر انتقام، ويشغلون مكانتهم التي يستحقونها كشعب مقدَّس. ولكن ثمة صورة أخرى عالمية وغير قومية للعصر المشيحاني (تعبير عن الحلولية الكونية الشاملة السائلة) ، فهو حسب هذه الرؤية عصر يسود فيه السلام والوئام بين الأمم. وإذا كان الشعب اليهودي ذا مكانة خاصة، فإن هذا لا يستبعد الشعوب الأخرى من عملية الخلاص. وإذا كانت الرؤية الأولى تؤكد الفوارق الصلبة الصارمة بين اليهود والأغيار، فالرؤية الثانية تُلْغي الفوارق تماماً بحيث تنتج عن ذلك حالة سيولة كونية محيطية (تشبه حالة الطفل في الرحم قبل الولادة) ، ينتج عنها إسقاط الحدود تماماً وذوبان اليهود في بقية الشعوب.