ومن المهم التأكيد على أن للحركات المشيحانية سياقين: أحدهما محلي، والآخر دولي. كما يهمنا أن نؤكد على أن تلاقي السياقين هو عادةً ما كان يؤدي إلى الانفجار. أما العنصر المحلي فيتمثل كما أشرنا في تزايد بؤس اليهود، وأما العنصر الدولي فيتمثل في وجود لحظة مفصلية يتصور الماشيَّح المزعوم أنها الفرصة المواتية له (انتهاء العصر الأموي بالنسبة لأبي عيسى الأصفهاني، والتطلعات البابوية لتجديد حروب الفرنجة بالنسبة لداود الرائي، وبدايات الاستعمار الغربي وأول هزيمة للعثمانيين بالنسبة إلى شبتاي تسفي) .
وتتميَّز المشيحانية بأنها صيغة هلامية لا يمكن أن تُهزَم. فإذا ظهر ماشيَّح، فإن ظهوره علامة على صدق الرؤية المشيحانية، وإذا لم يظهر فإن الواجب هو الانتظار. أما إذا ظهر الماشيَّح وانتصر في المراحل الأولى، فهذا علامة على صدقه. وإذا انهزم فهزيمته نفسها تعد علامة صدقه، فهو يتعذب من أجل شعبه. وإذا أخذت الهزيمة شكل ارتداد عن اليهودية، فإن هذا (حسب التصورات المشيحانية) من باب التمويه والتقية. كما أنه، باعتباره الماشيَّح، عليه أن ينزل إلى عالم الشر ذاته لمواجهته (ومن هنا ارتداده عن اليهودية) . كما أنه إذا قُتل أو مات، فإن أتباعه عادةً ما يؤمنون بأنه لم يمت أو يُقتَل وإنما اختفى وسيعود. وتكون جماعة التابعين المنتظرين، شيعة أو فريقاً دينياً مستقلاً عن المؤسسة الحاخامية، تدور عقائدها حول أفكار الماشيَّح، وتدور ممارساتها حول انتظاره. وهذا هو، في الواقع، النمط الكامن في معظم الحركات المشيحانية (اليهودية وغير اليهودية) التي عادةً ما تنتهي بالإخفاق، فيدفع المؤمنون بها الثمن غالياً.