والصهيونية، بمعنى من المعاني، عقيدة مشيحانية. ويمكن القول بأن السياق المحلي للحركة المشيحانية الصهيونية هو تزايد بؤس يهود شرق أوربا، وخصوصاً بعد تَعثُّر التحديث. أما سياقها الدولي، فهو ضعف الدولة العثمانية، وتزايد حدة الهجمة الإمبريالية الغربية على الشرق. والكتابات الصهيونية تزخر بإشارات إلى العودة، والعصر المشيحاني الذهبي، والماشيَّح. وفي يوميات هرتزل، نجد أن جزءاً من أوهامه عن نفسه يأخذ طابعاً مشيحانياً. وإذا كان بعض الصهاينة لا يؤمنون بعودة الماشيَّح شخصياً، فإنهم جميعاً يؤمنون بفكرة العصر المشيحاني أو «سبت التاريخ» على حد قول هس، أو «نهاية التاريخ» ، وهي فكرة لا تختلف كثيراً عن التصورات الدينية التقليدية، إلا في استبعاد شخصية الماشيَّح نفسه، أي أنها مشيحانية بدون ماشيَّح (نابعة من حلولية بدون إله) . وباستبعاد شخصية الماشيَّح أصبح من الممكن أن يتحالف المؤمنون والملحدون، وأصبح من الممكن أن تظهر مشيحانية لا دينية، أي محاولة استرجاع العصر المشيحاني الذهبي في فلسطين عن طريق التكنولوجيا والعنف والوسائل اللادينية كافة، دونما انتظار مقدم أي مبعوث إلهي، ولكن المشيحانية الملحدة لا تختلف كثيراً عن التصور اليهودي للقضية في صورته الدنيوية الأولى التي وصفناها آنفاً. وتحافظ الصهيونية على المشاعر والتوقعات المشيحانية بين أعضاء الجماعات بتصعيد إحساسهم بالاضطهاد وبعدم الانتماء لبلادهم، حتى يفقدوا صلتهم بالزمان والمكان ويتجهوا إلى إسرائيل. ومن يدرس التجارب التاريخية لأعضاء الجماعات يعرف أنه لم يحدث قط أن تمكنت أية حركة مشيحانية من السيطرة على يهود العالم جميعاً، وذلك بسبب عدم ترابطهم. ولذلك، فإن إخفاق أية حركة مشيحانية، وتحوُّل أتباعها عن اليهودية في أية منطقة، لم تكن تَنتُج عنه هزة شاملة لليهودية في كل البلاد الأخرى. أما في العصر الحديث، فقد حدث لأول مرة أن تمكنت حركة مشيحانية مثل