١ ـ أما اليهودية، فمن المعروف أنها كانت قد وصلت، مع انتصاف القرن الثامن عشر، إلى طريق مسدود. فقد تحولت إلى عبادة عقلية جافة، سيطر عليها الحاخامات بدراساتهم التلمودية المنفصلة عن أي واقع وتمثلت فيما يشبه التمارين المنطقية. وربما كانت العدمية الواضحة في فكر فرانك تعبيراً عن الملل والسأم من هوية يهودية دينية قد تآكلت.
٢ ـ وقد بدأت الدراسات القبَّالية تحل محل الدراسات التلمودية، ولكن القبَّالاه التي سادت كانت القبَّالاه اللوريانية بنزعتها المشيحانية المتفجرة واتجاهها الحلولي المتطرف. ولهذا، فإنها لم تَصلُح كإطار لحركة تجديد وإصلاح اجتماعية.
٣ ـ تَعرَّض اليهود لهجمات شميلنكي، ثم الهايدماك والفلاحين القوزاق، ولهجمات سكان المدن البولندية والكنيسة الكاثوليكية. ولهذا، فقد لاذوا بمنطقة كانت تتنازعها الدول المجاورة؛ فهي تارة تابعة إلى بولندا وتارة تابعة إلى روسيا، أو النمسا (أوكرانيا وجاليشيا) . وكانت مقاطعة بودوليا (التي نشأت فيها الفرانكية وغيرها من الحركات) تابعة للدولة العثمانية بعض الوقت. ولا شك في أن هذا الوضع السياسي القلق سبَّب للجماهير اليهودية كثيراً من الخوف وعدم الاطمئنان جعلها تبحث عن مخرج.
٤ ـ بدأت الجماعات اليهودية تفقد دورها كجماعة وظيفية وسيطة تعمل بالتجارة والوظائف الأخرى، وذلك بظهور عناصر بولندية محلية أخذت تحل محلها وتضطلع بما كان اليهود يؤدونه من وظائف ويقومون به من دور، وبدأ وضع اليهود الاقتصادي يسوء تبعاً لذلك. وتنعكس الأزمة الاقتصادية للجماعة اليهودية في أزمة القهال الذي تحوَّل إلى مؤسسة مدنية تثقلها الأعباء المالية، كما أصبحت مسرحاً للتوترات الاجتماعية بين أعضاء الجماعة اليهودية بدلاً من أن تكون مؤسسة لحلها.