ولكن، مع القرن الثاني قبل الميلاد، خاضت اليهودية أزمتها الحقيقية الأولى بسبب المواجهة مع الحضارة الهيلينية. فظهر الصدوقيون والفريسيون، والغيورون الذين كانوا يُعَدون جناحاً متطرفاً من الفريسيين، ثم الأسينيون. ومما يجدر ذكره أن الصدوقيين كانوا ينكرون البعث واليوم الآخر، ومع هذا كانوا يجلسون في السنهدرين، جنباً إلى جنب مع الفريسيين، ويشكلون قيادة اليهود الكهنوتية. وقد حققت هذه الفرق ذيوعاً، وأدَّت إلى انقسام اليهودية. ولكنها اختفت لسببين: أولهما انتهاء العبادة القربانية بعد هدم الهيكل، ثم ظهور المسيحية التي حلت أزمة اليهودية في مواجهتها مع الهيلينية إذ طرحت رؤية جديدة للعهد يضم اليهود وغير اليهود ويحرر اليهود من نير التحريمات العديدة ومن جفاف العبادة القربانية وشكليتها.
وجابهت اليهودية أزمتها الكبرى الثانية حين تمت المواجهة مع الفكر الديني الإسلامي. فظهرت اليهودية القرائية كنوع من رد الفعل، فرفضت الشريعة الشفوية وطرحت منهجاً للتفسير يعتمد على القياس والعقل، أي أنها انشقت عن اليهودية الحاخامية تماماً. ويمكن أن نضيف إلى الفرق اليهودية يهود الفلاشاه ويهود الهند الذين لا يشكلون فرقاً بالمعنى الدقيق، فهم لم ينشقوا عن اليهودية الحاخامية بقدر ما انعزلوا عنها عبر التاريخ وتطوَّروا بشكل مستقل ومختلف، فهم لا يعرفون التلمود أو العبرية، كما أن كتبهم المقدَّسة مكتوبة باللغات المحلية. وتجدر ملاحظة أن ثمة فرقاً صغيرة، مثل الإبيونيين والمغارية والعيسوية والثيرابيوتاي وغيرها، وهي فرق صغيرة لكل منها تصوُّرها الخاص عن اليهودية. ولكنها، نظراً لعزلتها، لم تؤثر كثيراً في مسار اليهودية وقد اختفى معظمها من الوجود. أما القرّاءون، فإنهم بعد عصرهم الذهبي في القرن العاشر، سقطوا في حرفية التفسير، الأمر الذي قلَّص نفوذهم حتى تحولوا إلى فرقة صغيرة آخذة في الاختفاء.