للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ثم، يمكننا أن نقول إن العلاقة بين اليهودية والمسيحية علاقة عدائية متوترة إلى أقصى حد، ولكن مصطلح «التراث اليهودي المسيحي» يزداد مع هذا شيوعاً، وخصوصاً في الأوساط البروتستانتية واليهودية الإصلاحية وأحياناً المحافظة، أما اليهود الأرثوذكس فيرفضونه. وقد يكون قبول المصطلح من هذه الفرق تعبيراً عن عودة الحلولية داخل هذه الأنساق الدينية. ويمكن العودة إلى مداخل «القبَّالاه» حيث نبيِّن أنه بهيمنة القبَّالاه على اليهودية استولى عليها نسق حلولي كموني، عبَّر عن نفسه في بداية الأمر في هيئة انفجارات مشيحانية (شبتاي تسفي) وفلسفات علمانية حلولية (إسبينوزا) ثم فلسفات حلولية ربوبية (موسى مندلسون) وأخيراً على هيئة «اليهودية الإصلاحية» و «اليهودية المحافظة» و «اليهودية التجديدية» (انظر أيضاً: «الحلولية والتوحيد والعلمنة: حالة اليهودية [أطروحة ماكس فيبر وبيتر برجر] » ) . وبإمكان القارئ أن يعود إلى مدخل «البروتستانتية (القرن السادس عشر والسابع عشر) » ومدخل «عصر النهضة (القرن السادس عشر والسابع عشر) » حيث نبيِّن تصاعد الحلولية داخل النسق الديني المسيحي. فبدلاً من المفهوم الكاثوليكي للحلول (حلول مؤقت في شخص واحد ومنته ترثه الكنيسة كمؤسسة) تظهر فكرة الحلول البروتستانتية حيث ينتقل الحلول من مؤسسة الكنيسة إلى الشعب أو الفرد أو الجميع وهو حلول دائم، وهو في تصوُّرنا شكل من أشكال تهويد المسيحية. وفي الواقع فإن تزايد قبول المصطلح يعبِّر أيضاً عن تزايد علمنة الدين في الغرب (وثمة ترابط بين تزايد معدلات الحلولية ومعدلات العلمنة) بحيث يمكن الوصول إلى صيغ توفيقية تُفقد العقائد كثيراً من أبعادها وخصوصيتها، وهذا هو جوهر التسامح العلماني: أن يتخلى الجميع عن هويتهم ويلتقوا على مستوى علماني ويتوحدوا في هوية علمانية واحدة. وقد وصف أحد الباحثين التراث اليهودي المسيحي بأنه تعبير جديد عن الاتجاهات الربوبية في المجتمع

<<  <  ج: ص:  >  >>