وفي هذا المناخ، ظهر الدراويش الذين يحملون اسم «بعل شيم» ، أي «سيد الاسم» ، وهم أفراد كانت الجماهير البائسة تتصور أنهم قادرون على معرفة الأسرار الباطنية، وإرادة الإله، وطرد الأرواح الشريرة من أجساد المرضى، كما أنهم كانوا يتسمَّون بالتدفق العاطفي الذي افتقدته الجماهير في الحاخامات. وظهرت الحسيدية بحلوليتها المتطرفة وبريقها الخاص ورموزها الشعبية الثرية التي تروي عطش الجماهير اليهودية الفقيرة التي كان يخيم عليها التخلف.
وقد تبدَّت هذه الأفكار الحلولية المتطرفة في التصادم الحاد بين الحسديين والمؤسسة الحاخامية (متنجديم) ، وهو تصادم كان حتمياً، باعتبار أن الحسيدية تمثل رؤية بعض قطاعات الجماعة اليهودية التي استُبعدت من جانب المؤسسة الحاخامية والقهال. وكانت الحسيدية تحاول أن تحقق لهم قسطاً ولو ضئيلاً من الحرية ومن المشاركة في السلطة. والحسيدية، في جانب من أهم جوانبها، محاولة لكسر احتكار المؤسسة التلمودية للسلطة الدينية، ومحاولة لحل مشكلة المعنى. وقد انعكس هذا التصادم، على المستوى الفكري، حين قام الحسيديون بالتقليل من شأن الدراسة التلمودية أو دراسة التوراة. فإذا كان الهدف من الحياة ليس الدراسة وإنما التأمل في الإله والالتصاق به والتوحد معه وعبادته بكل الطرق، فإن هذه العملية لابد أن تستغرق وقتاً طويلاً، وهو ما لا يترك للإنسان أي وقت لدراسة التوراة على الطريقة الحاخامية القديمة. كما أن التواصل المباشر مع الإله يطرح إمكانيةً أمام اليهود العاديين، ممن لا يتلقون تعليماً تلمودياً، لأن يحققوا الوصول والالتصاق (ديفيقوت) . بل إن الجهل، في إطار التجربة الوجودية المباشرة، يصبح ميزة كبرى.