٢ ـ ويُلاحَظ أن الحسيدية حاولت أيضاً أن تخفف عن اليهودي إحساسه بوطأة وجوده في المنفى. والمفهوم الحاخامي التقليدي يؤكد أن وجود اليهود في بلاد غير فلسطين هو عقاب لهم على ما اقترفوه من ذنوب. وقد كان هذا الإحساس بالذنب ثقيلاً، فجاءت الحسيدية وأنكرت حقيقة الشر، فالشر إن هو إلا اختفاء الخير وتشويهه، بل إن الشر ليس إلا جسراً للوصول إلى الخير، ويمكن تعديل الشر ليصبح خيراً. وقد ولَّدت هذه الرؤية شكلاً من أشكال القبول لدى اليهود لوضعهم البائس والرضا عنه، وخففت من حدة التطلعات المشيحانية التي تؤدي باليهود إلى الارتطام بالواقع والحكومات، كما خففها أيضاً التركيز على التأمل الباطني بدلاً من التفكير في الكون.
٣ ـ نادى الحسيديون بأن عبادة الإله يحب أن تتم بكل الطرق، كما يجب أن نخدمه بكل شكل: بالجسد والروح معاً مادام أنه إله غير مفارق، لا يتجاوز الطبيعة والتاريخ، كامن في كل شيء، حتى في مذاق الطعام وتدخين التبغ وفي العلاقات الجنسية والتجارية. وقد قال أحد زعماء الحسيدية إن على المرء أن يشتهي كل الأشياء المادية، ومنها المرأة، حتى يصل إلى ذروة الروحانية. فالفرح الجسدي عند الحسيديين، يؤدي إلى الفرح الروحي، والحسيدية تؤمن بروحانية المادة لأن الروح ليست إلا شكلاً من أشكال المادة. بل إن العبادة والخلاص بالجسد يصلان إلى حد عبادة الإله من خلال العلاقات الجنسية. ومثل هذا الموقف كامن في أية رؤية حلولية متطرفة، حيث تلتقي وحدة الوجود الروحية بوحدة الوجود المادية.