واللحظة النماذجية يمكن أن تكون لحظة فكرية، أي أن تتحقق في نسق فلسفي يصل صاحبه إلى ما يتصوره جوهر الأمور والواحدية المادية التي تسود العالم، فلا تغشى عيونه غشاوة، ويمكن أن تكون لحظة فعلية، أي أن تتحقق في الواقع نفسه، حين يحاول شخص أو نظام اجتماعي أن يحقق النموذج بحذافيره ويفرضه فرضاً على الواقع (كما حدث في ألمانيا النازية وروسيا الستالينية) .
ولعل من أهم الفلاسفة العلمانيين الشاملين، من منظور اللحظة النماذجية الفكرية، الفيلسوف توماس هوبز الذي تشكل كتاباته لحظة تَعيُّن للنموذج العلماني الشامل ولواحديته المادية الصارمة ولمرجعيته المادية الصراعية الوحشية ولإنكاره حرية الإنسان وإرادته ومقدرته على التجاوز. وقد تبعه إسبينوزا بخطابه الهندسي المادي الصارم حيث تختفي أية غائية أو تَجاوُز ويغيب الإنسان تماماً في المجردات اللاإنسانية. وقد أثار هذا الوضوح والتبلور في النماذج قلق كثير من الفلاسفة العلمانيين، فقاموا بمحاولات يائسة لإضافة محسنات فلسفية وثنائيات ظاهرية واهية. ولعل الجدل الهيجلي هو أهم محاولة في هذا المضمار، إذ يصر على جدلية الواقع وعلى التجاوز المستمر للمعطيات الحسية للواقع، ولكنه مع هذا ينحدر إلى نقطة الصفر العلمانية مرة أخرى مع التحام الذات بالموضوع، ومع نهاية التاريخ حين يتحقق العقل الكلي والمطلق في التاريخ والطبيعة، وهي النقطة التي ينتهي فيها التجاوز.