للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقطة الصفر العلمانية يمكن أن تأخذ شكلاً شاملاً، وهو ما يتضح في الخطاب ما بعد الحداثي، وتُستخدَم كلمة «أبوريا aporia» للإشارة إلى نقطة الصفر العلمانية، وهي كلمة يونانية تعني «الهوة التي ليس لها قرار» ، حيث يصبح العالم هوة من الثقوب السوداء تبتلع كل شيء، فتسقط المطلقات العلمانية وغير العلمانية كافة، وتسقط المطلقات الدينية والمادية على حد سواء، حتى نصل إلى عالم سائل لا نسق فيه ولا مرجعيات ولا تَجاوُز.

ويمكن القول بأن ما بعد الحداثة هي تحقُّق للعوامل التفكيكية داخل المنظومة التحديثية وأنها تحقُّق للنسبية الكامنة في النموذج التحديثي بحيث تصبح نسبية كاملة وصيرورة تامة وسيولة شاملة. وإذا كانت المنظومة التحديثية قد أدَّت إلى تفكيك الإنسان وإحساسه باللامعيارية (الأنومي) ، وإذا كانت الحداثة هي احتجاج الإنسان على ما يحدث له، فإن ما بعد الحداثة هي تطبيع كامل لهذه اللامعيارية وتعبير عن تقبُّل الإنسان لحالة التشيُّؤ الناجمة عن التحديث.

وحتى نزيد المقدرة التحليلية لمفهوم نقطة الصفر العلمانية سنشير إلى ثلاث لحظات علمانية شاملة نماذجية مختلفة أقل عمومية من لحظة الصفر العلمانية هي ما يلي:

أ) اللحظة السنغافورية ويظهر فيها الإنسان الاقتصادي.

ب) اللحظة التايلاندية ويظهر فيها الإنسان الجسماني.

جـ) اللحظة النازية (والصهيونية) ويظهر فيها الإنسان الطبيعي/المادي أو الإنسان كمادة محضة.

والإنسان في هذه الحالات جميعاً، إنسان طبيعي وظيفي، يُعرَّف في إطار وظائفه البيولوجية والاجتماعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>