وإذا كان هرمان كوهين يشبه موسى بن ميمون، فإن روزنزفايج يشبه يهودا اللاوي. فكتابه نجمة الخلاص ليس مجرد كتاب في الفلسفة، وإنما هو رحلة روحية من الفلسفة إلى اللاهوت. ويتوجه روزنزفايج بالنقد إلى الفلسفة لمحاولتها رد العالم إلى جوهر واحد مثل الوعي على وجه العموم، فهذا يتنافى مع التجربة المتعينة للإنسان، وكل ما تستطيع الفلسفة أن تنجزه هو إدراك ثلاثة جواهر مستقلة منفصلة: العالم والإنسان والخالق، لكلٍّ طبيعته الخاصة. وكل جوهر عقلاني يشكل جزءاً ومعطى لا يمكن رده إلى شيء خارجه. هذه الجواهر هي «ما قبل العالم» ، ولابد أن تنشأ علاقة فيما بينها استناداً إلى مفاهيم تُستجلَب من خارج عالم التأمل العقلاني. وهذا ما يقوم به اللاهوت الذي يكمل الفلسفة، فهو الذي يُوجد الصلة بين أجزاء العالم والإنسان والخالق المختلفة من خلال الوقائع المعجزة العجائبية الثلاث: الخلق، والوحي، والخلاص. ويرى روزنزفايج أن العلاقة بين الخالق والعالم (الخلق) ، وبين الخالق والإنسان (الوحي) ، وبين الإنسان والعالم (الخلاص) هي إمكانات موجودة دائماً. وأهم أبعاد الوجود أو عناصره هو الوحي، فمن خلاله يخاطب الخالق الإنسان في لحظات الحب، فيهدم الحواجز التي تسبب عزلة الإنسان ووحدته. وكل ما يعطيه الخالق للإنسان هو الحضور، ولكن تجربة الحب الإلهي تأخذ شكل أمر بأن يحبه الإنسان في المقابل. والعنصر الثاني (الخلق) يعني اعتماد كل الكائنات في هذا العالم على القوة الحية للخالق. أما العنصر الثالث (الخلاص) فيعني أن يتوجه من يشعر بالوحي نحو الآخر، ومن خلال الخلاص تتبدد العزلة التي تفرق بين البشر، فمن حب الخالق للإنسان يظهر حب الإنسان لأخيه الإنسان لأن الإنسان من خَلْق الإله. ومسار التاريخ تعبير عن أن الخلاص يتخلل العالم من خلال أفعال الحب حتى تشيع الروح في الدنيا ويتم توحيد العالم والإنسان والخالق.