للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقطة الانطلاق الأولى لمشروع التحديث والعلمنة الغربي هي الإيمان بضرورة أن يواجه الإنسان الكون دون وسائط، حراً تماماً من قيود الحضارة والتاريخ والأخلاق، يرفض أية غيبيات أو ثوابت أو مطلقات متجاوزة لعالمه المادي ولحدود عقله. فالإله إما غير موجود، وإن وُجد فهو لا يتدخل في شئون هذه الدنيا، ويتركها للإنسان يسيرها حسب ما يراه. وهو إنسان متمركز تماماً حول ذاته التي لا حدود لها ولا قيود عليها، يرفض كل القيم القَبْلية والتعميمات والتجريد، يعيش حسب قوانينه الخاصة الفريدة النابعة من ذاته. فهو مرجعية ذاته ومقياس كل شيء لا يمكن محاسبته بأية معايير خاصة. والعقل بوسعه من خلال التعامل مع الواقع الطبيعي والتاريخي، ودون أية حاجة إلى وحي إلهي، أن يصل إلى تفسير كلي شامل لهذا العالم وأن يولِّد المنظومات المعرفية والأخلاقية والجمالية اللازمة لأن يسيِّر حياته. وهذا يعود إلى وجود تماثل كامل بين قوانين العقل وقوانين الطبيعة. وعقل الإنسان الرشيد يولِّد لغة رشيدة، يمكنه من خلالها التواصل والحوار ومراكمة المعرفة، ويمكنه أن يدرس التاريخ (ثمرة احتكاك الإنسان بالطبيعة) فيزداد الإنسان وعياً وإدراكاً لما حوله ويزداد تقدُّمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>