٢ ـ اليهود في العالم المسيحي هم قتلة المسيح، ولذا فهم شعب منبوذ، ولكن اليهود في الوقت نفسه شعب شاهد على عظمة الكنيسة ولذا لابد من حمايته. وهو يعيش في المجتمع المسيحي الذي يحميه ولكنه يرفض التجسد فهو لا يزال في انتظار الماشيَّح رغم أن المسيح من وجهة نظر المسيحيين قد جاء وصُلب ثم قام. وهو شعب مختار كما يقول كتابه المقدَّس ولكنه في واقع الأمر شعب منبوذ. وهو شعب ينسب له الأغيار والمعادون لليهود قوى عجائبية (الشر ـ السحر) ولكنه في واقع الأمر لا سلطة له. وكل هذا يجعل من الصعب على أعضاء هذا الشعب تبنِّي مرجعية ثابتة أو معيارية واحدة. واليهود بهذا يصبحون دالاً بدون مدلول.
٣ ـ يُشار إلى اليهودي باعتباره صاحب هوية واضحة، ولكنه في واقع الأمر مفتقد تماماً للهوية، فهو يزداد اندماجاً في الحضارة الغربية رغم كل محاولات الإفلات من قبضتها. ومن المفارقات أن إسرائيل قامت للدفاع عن الهوية اليهودية ولكنها أصبحت الآلية الكبرى لطمس معالم هذه الهوية. ومن ثم، فإن العودة التي كان المفترض فيها أن تكون نقطة التحقق والحضور الكامل، أصبحت لحظة الغياب الكامل، وهو ما يعني اختلاط المدلولات وتعددها.
٤ ـ ومما زاد من زعزعة ما يُسمَّى «الهوية اليهودية» تزايد تعريفات اليهودي، فهو يمكن أن يكون إصلاحياً أو محافظاً أو تجديدياً. وهناك اليهودي الملحد واليهودي غير اليهودي واليهودي المتهود واليهودي بالاختيار. وقد عُرِّف اليهودي بأنه «من يصفه الناس بأنه كذلك» . وهو في تعريف آخر «من يشعر في قرارة نفسه أنه كذلك» . ولعل سؤال «من اليهودي؟» المطروح بحدة في الدولة اليهودية، هو تعبير عن هذا الفصل الحاد بين الدال والمدلول واستحالة التعريف بسبب سقوط الدال في قبضة الصيرورة.