للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تآكلت يهوديتهم المستبطنة واختفت، ولذا كان اليهودي السفاردي إنساناً هامشياً تماماً في مختلف التقاليد الدينية والثقافية التي يتحرك فيها، فهو لا يؤمن بالكاثوليكية ولا يعرف اليهودية (يهودي غير يهودي على حد قوله) ، وهو لا يعرف لا الختان ولا الاعتراف وإنما يعرف شيئاً «تناصياً» يُسمَّى «الختانعراف» ، فلا هو كاثوليكي ولا يهودي ولكنه يُفقد الكاثوليكية حدودها وهويتها ويُفقد اليهودية حدودها ومضمونها وهويتها. إن هامشية دريدا جعلته مرشحاً لأن يكون فيلسوف التفكيك الأول، فهو نفسه إنسان مفكك تماماً: فهو فرنسي ولكنه من أصل جزائري، وهو جزائري ولكنه عضو في جماعة استيطانية فرنسية، وهو يهودي سفاردي لا ينتمي إلى التيار الأساسي لليهودية، وهو لا يؤمن بهذه اليهودية ولا يكن لها الاحترام ولكنه مع هذا يشير إليها دائماً. وإن كان هناك دال بدون مدلول، فإن جاك دريدا الفيلسوف الفرنسي الجزائري اليهودي السفاردي هو هذه الحالة، فهو ليس فرنسياً ولا جزائرياً ولا يهودياً ولا سفاردياً، كما أن مشروعه الفلسفي هو إنهاء الفلسفة.

وغني عن القول أن دريدا لا يقدم فلسفة يهودية، ولا يمكن فهم فلسفته إلا في سياق تاريخ الفلسفة الغربية. ورغم وجود أفكار تفكيكية وما بعد حداثية في مدارس التفسير اليهودية (التي اطلع عليها دريدا وتأثر بها فهو تلميذ ليفناس) ، إلا أنه يظل مفكراً غربياً بالدرجة الأولى، ولا تشكل يهوديته سوى عنصر مساعد في تصعيد تفكيكيته. ولدريدا العديد من المؤلفات والكتب، أهمها: الصور والظواهر (١٩٧٠) ، وتناثر المعنى (١٩٧٢) ، وفي علم الكتابة (جراماتولوجي) (١٩٧٢) ، وهوامش الفلسفة (١٩٧٢) ، وجرس الموت Glas (١٩٧٤) ، وعن النبرة والرؤية (الأبوكاليبسية) التي تم تبنيها في الفلسفة (١٩٨٢) ، وجرامافون أوليس (١٩٨٧) . وقد صَدَر له مؤخراً كتاب أطياف ماركس (١٩٩٥) .

هارولد بلوم (١٩٣٠ (–

Harold Bloom

<<  <  ج: ص:  >  >>