ويمكن القول بأن لاهوت موت الإله هو حلولية كمونية مادية، حلولية يموت فيها الإله تماماً (وحدة وجود مادية) وتحل مطلقات دنيوية أخرى كامنة في المادة والتاريخ محله. وينطلق لاهوت موت الإله عند اليهود من فكرة قداسة التاريخ اليهودي النابعة من قداسة الشعب اليهودي ومن مركزيته الكونية، وهي قداسة تشمل ما يقوم به هذا الشعب من أفعال، وما يقع له من أحداث. وأهم الأحداث التي وقعت له في الماضي هي العبودية في مصر والخروج منها، والسبي البابلي والعودة منه، ثم سقوط الهيكل والشتات. ولكن أهم ما وقع لليهود على الإطلاق هو الإبادة النازية ليهود أوربا. وهذه الإبادة ليست فعلاً ارتكبته الحضارة الغربية ضد ملايين البشر (من يهود وبولنديين وغجر ومعوقين وعجائز) ، وإنما هي جريمة ارتُكبت ضد اليهود وحسب. وهكذا يُنظر إلى الإبادة باعتبارها حادثة تاريخية تجسد الشر المطلق، وهي رهيبة لدرجة أنها تنفي وجود الخير والعقل واليقين والأمل، وهي أخيراً تنفي وجود الإله. وحتى إن كان الإله موجوداً فيجب ألا نثق فيه لأنه تخلَّى عن الشعب اليهودي. بل إن هذه الحادثة تكاد تكون حدثاً يقف خارج التاريخ، فهي عدم تام. وهي مدلول متجاوز لا يمكن أن يدل عليه دال؛ فهو مرجعية ذاته ولا يمكن فهمه إلا بالعودة إليه خارج أي سياق. ويمكن القول بأن كلمة «هولوكوست» أصبحت دالاً ومدلولاً في آن واحد، فهي تشبه الأيقونة. ولذا، فالفهم غير ممكن ولا يمكن سوى التذكر.