وإذا كانت الجريمة الكبرى هي الفناء، فالفضيلة الكبرى هي المقاومة والبقاء، وكل هذا يجسده ظهور دولة إسرائيل كدولة ذات سيادة تعبِّر عن إرادة الشعب اليهودي ورغبته في البقاء، وتثبت أن الشعب اليهودي يرفض أن يلعب دور الشعب الشاهد كما ترى المسيحية، ولا أن يكون شعباً شهيداً كما تتصور اليهودية الحاخامية التي ترى أن اليهود تم اختيارهم ليكونوا شعباً من الشهداء والقديسين والأنبياء والكهنة لا سيادة له، عاجز لا يشارك في السلطة (وهو الدور الذي يرى دعاة لاهوت موت الإله أنه أدَّى باليهود إلى الاستسلام للإرهاب النازي، وعبَّر عن نفسه في اشتراك القيادات اليهودية في المجالس اليهودية التي أسسها النازيون والتي قامت بتسليم اليهود إلى قاتليهم) . لكن الدولة الصهيونية تقف على الطرف النقيض من هذا كله، فهي تحل مشكلة العجز اليهودي الناجم عن انعدام السيادة وعدم المشاركة في السلطة، فإسرائيل دولة ذات سيادة ولها سلطة وجيش قوي ومؤسسات عسكرية تدافع عن الإرادة اليهودية المستقلة، وإسرائيل هي الشيء الإيجابي الذي ظهر من رماد أوشفيتس، وهي (باعتبارها رمز بقاء الشعب) تشكل هزيمة للعدم ولهتلر (ولذا، يُشار إلى لاهوت موت الإله بأنه «لاهوت البقاء» و «لاهوت ما بعد أوشفيتس» ) . بل إن إسرائيل هي حقاً الوسيلة الكبرى لعملية الإصلاح الكوني (تيقون) . فمن خلال هذه الدولة يعلن المطلق عن نفسه ويُستعاد الحضور الإلهي داخل التاريخ (على حد قول الحاخام إليعازر بركوفتس) . فبقاء الشعب والدولة هو بقاء الإله، واستمرار الشعب والدولة هو استمرار الإله. ولذا، فإن من يقف ضد الدولة ولا يقبلها فهو كمن ينكر وجود الإله، ومن يقبلها بلا شرط فهو وحده المؤمن (على حد قول آرثر روبنشتاين) . وقد صرَّح الحاخام إيوجين بورويتز أحد مفكري لاهوت موت الإله بأن الدولة الصهيونية إبان حرب ١٩٦٧ لم تكن وحدها المهددة بالخطر، بل كان هذا الخطر محدقاً بالإله نفسه.