ويمكننا الآن طرح قضيتين مهمتين هما: نفوذ الماسونية السياسي والاقتصادي، وسرية تنظيماتهما، وهما عنصران مترابطان تمام الترابط. فالحركات الماسونية تتركز في بلاد غربية متقدمة تحكمها حكومات مركزية قوية، وتخضع فيها الحركات السياسية والاجتماعية كافة للمراقبة، وإلا لما أمكنها تسيير دفة الحكم. ولا يمكن في الحقيقة تصوُّر وجود حركات ضخمة لها قوة فعالة لا تخضع للإطار العام الذي تفرضه مثل هذه الدول المطلقة الرشيدة، فعملية التنبؤ والتخطيط تتطلب مثل هذا التحكم ومثل هذه المعرفة. والمحافل الماسونية تخضع لهذا القانون العام، ولم يكن من الممكن أن تُشكِّل استثناء منه. لكن هذا لا يمنع، بطبيعة الحال، من تَسلُّل بعض العناصر المغامرة إلى بعض المحافل لتوظيفها بشكل أو بآخر، من خلال شبكة اتصالاتها، في الاحتيال أو الأعمال الإجرامية. وهذا هو بالضبط ما تفعله، على سبيل المثال، عصابات المافيا (الجريمة المنظمة) مع الجهاز التنفيذي في الولايات المتحدة، إذ تستأجر كبار المحامين وتشتري القضاة وتجند ضباط الشرطة، أي تقوم بتوظيف الجهاز الذي أُسِّس لمكافحتها والقضاء عليها لتنفيذ أهدافها الإجرامية. وكل هذا لا يعني وجود مؤامرة مافياوية للاستيلاء على العالم. وكذلك الجماعات الماسونية، فهي إذا ما تحولت إلى قوة ضغط (لوبي) ، فإنها لا تختلف كثيراً عن مراكز الضغط الأخرى داخل النظام السياسي والاقتصادي. وإن أخذ نشاطها شكلاً تآمرياً أو إجرامياً في بلد ما، فلا يصح تعميم مثل هذه الوقائع وافتراض وجود مثل هذا النشاط على مستوى العالم بأسره.