وقد حلت الماسونية مشكلة هؤلاء اليهود الذين اغتربوا عن يهوديتهم، والذين ازدادت معدلات العلمنة بينهم، والذين كانوا يريدون الاندماج في مجتمع الأغيار ولكنهم لا يريدون التنصر. وكان ظهور الحركة الماسونية علامة على أن مجتمع الأغيار قد بدأ يفتح ذراعيه لهم، وأصبحت المحافل الماسونية الأرضية الروحية والفعلية التي يمكن أن يلتقي أعضاء الجماعات اليهودية فيها مع قطاعات مجتمع الأغلبية. وقد كانت هذه الأرضية تتسم بقسط معقول من الحياد، فرغم وجود رموز ذات أصل مسيحي، ومع أن الفكر الماسوني احتفظ ببعض الأفكار المسيحية، فقد كانت هناك رموز ذات مضمون عقلاني عام (رموز البناء) وهي رموز عامة ومحايدة. وماذا يمكن أن يكون أكثر حياداً من أدوات الهندسة التي يستخدمها البناء؟ بل كانت هناك رموز يهودية أيضاً: سليمان والهيكل وكلمات عبرية. كما كانت هناك رموز كونية عامة يمكن أن يشارك أعضاء الجماعات اليهودية فيها. ولكن الأهم من كل هذا أنه لم يكن مطلوباً منهم اعتناق دين جديد أو رفض دينهم القديم، فكل ما كان مطلوباً منهم هو إزاحته جانباً أو تهميشه وإعادة تأسيس عقيدتهم على العقل لا الغيب. ولذا، انخرط اليهود بأعداد متزايدة في صفوف الماسونية. ويُلاحَظ أن أول الماسونيين بين اليهود كانوا من السفارد، إذ أن معدلات العلمنة كانت مرتفعة بين العنصر السفاردي. ثم بدأت تنخرط في سلك المحافل الماسونية عناصر يهودية أخرى تزايدت بينها معدلات العلمنة، مثل: أتباع اليهودية الإصلاحية، وبقايا العناصر الشبتانية، واليهود الذي تأثروا بالقبَّالاه. ولذا، يجب أن نؤكد أن أعضاء الجماعات اليهودية الذين انضموا إلى المحافل بأعداد متزايدة فعلوا ذلك لا بسبب يهوديتهم أو عقيدتهم، وإنما بالرغم منها. بل إن انخراطهم في المحافل الماسونية يمثل بالنسبة لبعض اليهود صياغة دينية مخففة تساعدهم على التخلص من هويتهم الدينية بدون إحساس بالحرج من عدم وجود إيمان ديني على