للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت الصهيونية تعني "تهجير بعض أعضاء الجماعات اليهودية إلى فلسطين وتوطينهم فيها"، فبأي معنى إذن يمكننا الحديث عن «صهيونية الدياسبورا» أو «الشتات» (الجماعات اليهودية في العالم) ،أي صهيونية اليهودي الذي يرفض أن يشترك في عملية الاستيطان الصهيوني وإن كان في الوقت نفسه يرى أن هذا الاستيطان هو الحل الوحيد لمشاكل اليهود؟ ولعل هذا هو الذي حدا بالمفكر الصهيوني العمالي بوروخوف إلى أن ينحت مصطلحاً في غاية الأهمية اختفى من الأدبيات والتواريخ الصهيونية وهو «صهيونية الصالونات» ، ويعني صهيونية الطبقة الوسطى التي تهتم بالجوانب الحضارية والثقافية والإثنية (أي ما يُسمَّى «الوعي اليهودي» ) ولا تهتم كثيراً بالاستيطان. كما نحت آخر (بعد تأسيس الدولة الصهيونية) مصطلح «صهيونية دفتر الشيكات» وهي صهيونية اليهودي الذي يُحدث أصواتاً صهيونية عالية ولكنه يكتفي بدفع مبلغ من المال للمنظمة الصهيونية. ولذا، فإن الصفة هنا في الواقع لا تُعدِّل دلالة المصطلح وحسب، وإنما تغير معناه تغييراً جوهرياً.

٥ ـ وهنا يجب أن نثير قضية تتصل بالمجال الدلالي. فإن قَبلنا بأن الصهيوني "هو من يدعو إلى تهجير اليهود إلى فلسطين وتوطينهم فيها"، فهل يمكن أن نُطلق المصطلح على دعوة المعادين لليهود بطرد اليهود من أوطانهم وتوطينهم في فلسطين؟ بل هل يمكن أن نُطلق المصطلح على المشاريع النازية المختلفة للتخلص من اليهود؟ وهل يمكن الحديث عن النازيين كصهاينة؟ وعلى كل حال، فإن هذا ما فعله أدولف أيخمان أثناء محاكمته. فقد أشار إلى نفسه باعتباره صهيونياً يحاول أن يضع شيئاً من الأرض الراسخة تحت أقدام اليهود (باعتبار أن اليهود شعبٌ بلا أرض، أما الأرض الراسخة فهي فلسطين، أرض بلا شعب) .

الصهيونية: تاريخ المفهوم والمصطلح

Zionism: The History of the Concept and the Term

<<  <  ج: ص:  >  >>