٥ ـ ليس من الغريب إذن أن نجد أن نابليون بونابرت أول غاز غربي للشرق الإسلامي في العصر الحديث وواحد من أهم المعادين لليهود في العالم الغربي (كما يدل على ذلك سجله في فرنسا) وواحد من أهم دعاة العلمانية الشاملة هو أيضاً صاحب أول مشروع صهيوني حقيقي، إذ دعا الصهاينة إلى الاستيطان في "بلاد أجدادهم"!
٦ ـ أصبح مفهوم الصهيونية مفهوماً أساسياً في الخطاب السياسي الغربي عام ١٨٤١ مع نجاح أوربا في بلورة مشروعها الاستعماري ضد العالم العربي والإسلامي الذي حقق أول نجاح حقيقي له في القضاء على مشروع محمد علي في تحديث مصر والدولة العثمانية، ومع تفاقم المسألة اليهودية التقت المسألة الشرقية بالمسألة اليهودية وساد التصوُّر القائل بإمكان حل المسألتين من خلال دمجهما.
٧ ـ تمت بلورة المفاهيم الصهيونية وملامح المشروع الصهيوني بشكل كامل في الفترة بين منتصف القرن التاسع عشر وعام ١٨٨٠ على يد المفكرين الصهاينة غير اليهود لورد شافتسبري ولورانس أوليفانت. وقد لخص شافتسبري التعريف الغربي لمفهوم الصهيونية في عبارة أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض (في كلمات تقترب كثيراً من الشعار الصهيوني)) . وقد حاول أوليفانت أن يضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ.
٨ ـ يُلاحَظ أننا نضع تاريخ تطوُّر مفهوم الصهيونية في سياق التاريخ الفكري والسياسي والعسكري الغربي، ولا نعود إلى العهد القديم أو ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي»(إلا في محاولة دراسة الديباجات) . فحتى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر لم يكن يربط اليهود أو اليهودية علاقة كبيرة بالصهيونية كفكرة أو مفهوم أو مشروع سياسي واقتصادي عسكري. وقد كان هذا هو الرأي السائد في الأوساط الصهيونية حتى عهد قريب. فأول تاريخ رسمي للصهيونية، كُتب بتكليف من المنظمة الصهيونية وكتبه ناحوم سوكولوف (الذي تولى رئاسة المنظمة الصهيونية بعض الوقت) مكوَّن من جزأين كرِّس معظمها لتاريخ الصهيونية بين غير اليهود.