١ ـ تضرب الصيغة بجذورها في موقف الحضارة الغربية من الجماعات اليهودية وفي وضعهم داخلها، وهو موقف صهيوني ومعاد لليهود في آن واحد؛ أو صهيوني لأنه معاد لليهود. فاليهود شعب مختار عضوي متماسك (شعب شاهد ـ جماعة وظيفية) ، ووجوده في مجتمع ما ليس له أهمية في حد ذاته وإنما بمقدار ما يخدم الوظيفة الموكلة إليه. وحين يفقد الشعب وظيفته، لابد من التخلص منه عن طريق نَقْله (أو ربما إبادته) . ومن هنا، فإن نقطة الانطلاق (الشعب العضوي المنبوذ) هي الرقعة المشتركة بين معاداة اليهود والصهيونية، وهي صيغة خروجية تصفوية إذ تطالب بإخراج اليهود من أوربا وتصفيتهم، فالعنصر الأول بشقيه هو جوهر عداء اليهود وهو أيضاً المقدمة الأساسية للصهيونية.
٢ ـ وأضيف لهذه الصيغة العنصر الثاني (الكامن تاريخياً وبنيوياً في العنصر الأول) وهو اكتشاف نفع اليهود، ومن ثم إمكانية توظيفهم خارج أوربا (وإصلاحهم) . وقد اكتُشف هذا الجزء أو تم تأكيده ابتداءً من القرن السابع عشر، عصر ظهور الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية. ويُلاحَظ أن ما يميِّز الصهيونية عن معاداة اليهود هو هذا الجزء. فكلاهما يرى اليهود عنصراً غير نافع يوجد داخل الحضارة الغربية ولكنه لا ينتمي إليها ولا حل للمشكلة إلا بإخراج اليهود. وبينما يلجأ أعداء اليهود إلى إخراج اليهود بشكل عشوائي عن طريق طردهم أو إبادتهم دون تخطيط أو ترشيد، فإن الصهاينة يرشِّدون العملية كلها ويرون إمكانية إخراج اليهود بشكل منهجي وتحويلهم إلى عنصر نافع. كما يُلاحَظ أن مكونات هذين العنصرين (المنبوذين ـ النافعين الذين يمكن توظيفهم) هي ذاتها السمات الأساسية للجماعة الوظيفية. ومن ثم، فإن اكتشاف نفع اليهود كان أمراً متوقعاً، إذ أن ذلك لصيق ببنية الجماعة الوظيفية وهو سر وجودها وبقائها، إذ أنها لا يمكن أن يكتب لها البقاء في مجتمع إلا إذا كانت "نافعة" و"تلعب دوراً ضرورياً".