لكن مصطلح «الوطن القومي» مصطلح ليست له مقدرة تفسيرية عالية، إذ أن كثيراً من الوقائع التاريخية لا تسانده. ومن الثابت تاريخياً أن عدد اليهود خارج فلسطين فاق عددهم داخلها قبل هدم الهيكل. كما أن من الثابت أن أكبر الهجرات في تواريخ الجماعات اليهودية، والتي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، اتجهت إلى الولايات المتحدة (ولو كانت فلسطين وطن اليهود القومي لاتجهوا إليها) . وقد بلغت نسبتهم نحو ٨٠% من جملة المهاجرين اليهود، بل لم يَعُد يُشار في الأدبيات الصهيونية إلى الولايات المتحدة باعتبارها منفى وإنما أصبح يُشار إليها باعتبارها وطناً قومياً آخر لليهود، وباعتبارها أيضاً «البلد الذهبي»(باليديشية: جولدن مدينا) الذي يحقِّق تطلعات المهاجرين المادية. ولا ندري هل هي وطن قومي ثان أم هي وطن قومي أول بالنسبة إلى اليهود؟ ففي الخطاب السياسي يأتي مصطلح «الوطن القومي» دائماً في صيغة المفرد إذ لا معنى له في صيغة المثنى أو الجمع. وعلى كلٍّ، فقد حسم يهود الولايات المتحدة القضية بأن حوَّلوا إسرائيل (فلسطين) من وطن قومي إلى مسقط الرأس والوطن الأصلي السابق، أما الولايات المتحدة فهي الوطن القومي الحالي الذي يعيشون فيه بالفعل، وبذا أصبح الأمريكيون اليهود أمريكيين يهوداً على غرار الأمريكيين العرب أو الأمريكيين الأيرلنديين. ولكن هذا يعني أن أسطورة الذات الجديدة تصفي الأسطورة الصهيونية، إذ أن مسقط الرأس (إسرائيل) هو البلد الذي يهاجر اليهودي منه لا إليه!