للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع هذا، بدأت الدعوة لإنشاء الدولة قبل هذا التاريخ بين الصهاينة غير اليهود من المفكرين والزعماء أصحاب المطامع الاستعمارية في الشرق. وكانت هذه الدعوة غريبة على الجماهير اليهودية وعلى المفكرين اليهود، لأنهم كانوا إما متدينين ينتظرون مقدم الماشيَّح المخلِّص ليعود بهم ليؤسس هو الدولة (دون أي تَدخُّل بشري) ، أو علمانيين يدافعون عن الاندماج في أوطانهم. وقد طرح المفكر الصهيوني موسى هس الفكرة في منتصف القرن التاسع عشر في كتابه ذي الطابع الاستعماري الواضح روما والقدس، ولكن الكتاب لم يُتداوَل بين أعضاء الجماعات اليهودية ولم يكن معروفاً لديهم. وقد عالج ليو بنسكر الفكرة نفسها في كتابه الانعتاق الذاتي، غير أن فكره ظل مقصوراً على بعض قطاعات المثقفين في شرق أوربا، ثم تعرَّض هرتزل للموضوع نفسه في كتابه دولة اليهود وجعلها فكرة أساسية. وقد أدرك هرتزل حتمية الاعتماد على الإمبريالية كآلية لتحقيق المشروع الصهيوني، وضرورة أن تكون الدولة الصهيونية دولة وظيفية تابعة تستند شرعيتها إلى الوظيفة التي تضطلع بها وتحصل الدعم الاستعماري بسببها.

وقد أصبحت الدولة بعد مرحلة هرتزل وبلفور جزءاً من الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة. وكما هو الحال عادةً، نجد أن الإجماع الصهيوني لا ينصرف إلا إلى هذه الصيغة الأساسية الشاملة، أما ما عدا ذلك فهو موضع خلاف وصراع (دون قتال) بسبب الطبيعة المراوغة للخطاب الصهيوني. وقد واجهت الفكرة معارضة من اليهود الإصلاحيين، وبعض اليهود الأرثوذكس ودعاة القومية اليديشية، وحزب البوند والاشتراكيين، وذلك لأسباب مختلفة. كما أن الصهاينة التوطينيين عارضوا فكرة الدولة في بداية الأمر خوفاً من أن يُتهَموا بازدواج الولاء. ولم يُكتَب للفكرة أن تتحقق إلا حينما تبنَّت الدول الإمبريالية المشروع الصهيوني ثم فرضت التجمع الاستيطاني على الواقع العربي.

<<  <  ج: ص:  >  >>