إن هذه البراءة هي في واقع الأمر العقد الصامت الذي أبرم بين المنظمة الصهيونية (كمتحدث غير منتخب باسم يهود شرق أوربا وغربها) وبين العالم الغربي (وضمن ذلك المعادون لليهود) . وهو تفاهم ضمني بين يهود غرب أوربا ويهود اليديشية، تتعهد الحركة الصهيونية بمقتضاه بإخلاء أوربا من يهودها (أو على الأقل من الفائض البشري اليهودي) وتوطينهم في منطقة خارج هذا العالم الغربي (داخل دولة وظيفية) ، ويتحقق نتيجةً لذلك أن يؤسس المستوطنون في موقعهم الجديد قاعدة للاستعمار الغربي وتتعهد الصهيونية بتحقيق مطالب الغرب ذات الطابع الإستراتيجي وضمنها الحفاظ على تفتُّت المنطقة العربية. هذا فضلاً عن أهداف أخرى تمكِّن الصهيونية من التحكم باليهود وتخلِّص العالم الغربي من نسبة كبيرة منهم. ولم يلتفت هذا العقد لمشكلة شعب الأرض المستهدفة وكيفية حلها، بل عمدت الحركة الصهيونية إلى الزعم بأن "فلسطين أرض بلا شعب" منكرة وجود شعب تمتد جذوره في وطنه إلى فجر التاريخ الإنساني. وقد جاء استهداف طرفي العقد فلسطين لعدة أسباب في مقدمتها موقع فلسطين في قلب دائرة الوطن العربي وفي موقع إستراتيجي من دائرة العالم الإسلامي والحضارة العربية الإسلامية.