٣ ـ الصهيونية، شأنها شأن أية عقيدة سياسية، تود أن تكتسب شرعية، وأن تُجيِّش الجماهير وراءها. وقد كان هذا أمراً حتمياً بالنسبة للصهيونية، فقد كانت أيديولوجية نشأت في وسط أوربا بين مثقفين يهود غير يهود، مندمجين تماماً، تشربوا الثقافة الألمانية لا مجرد معجبين بها. أما الجماهير اليهودية، فقد كانت في شرق أوربا، وهي جماهير يهود اليديشية. وكانت قطاعات كبيرة منهم إما عميقة الإيمان بالدين أو على الأقل تربطها صلة وثيقة برموزه. ومن ثم، لم يكن هناك مفر من أن تستغل الصهيونية العقيدة اليهودية لتضفي على نفسها صبغة دينية، فلجأت إلى تبنِّي الرموز والأفكار الدينية المألوفة لدى هذه الجماهير بعد علمنتها، إذ أن أية صيغة صريحة في علمانيتها كانت ستفشل حتماً في تجنيدها. وهذا ما عبَّر عنه كلاتزكين حين قال:"إن الدين اليهودي يمكن أن يساهم في بلورة الروح القومية للشعب اليهودي". وقد كان نوردو وهرتزل يدركان أهمية العناصر الدينية في تجنيد الجماهير. ولذا، فعندما فكرا في اختيار العراق مكاناً للاستيطان، فكرا أيضاً في «العناصر الصوفية» المرتبطة به وفي إمكانية الاستفادة منها. ولقد استقر الأمر على فلسطين في نهاية الأمر بسبب عدة عوامل من بينها قوة الأسطورة، أي الاسم في حد ذاته، "ففلسطين هي صرخة عظيمة تجمع اليهود" على حد قول هرتزل.