ولإنجاز هذا، ولتحقيق هدفها في اغتصاب فلسطين وطَرْد أهلها وتجنيد يهود العالم لدعم مشروعها ومده بالمادة البشرية المطلوبة، طوَّرت الصهيونية خطاباً هلامياً مبهماً غير متجانس بشكل متعمد يتسم بدرجة عالية من عدم الاتساق ويحتوي على فجوات كثيرة بهدف تغييب الضحية وتشويه صورته.
وقد كتب هرتزل قائلاً إنه "حقق شيئاً يكاد يكون مستحيلاً: الاتحاد الوطيد بين العناصر اليهودية الحديثة المتطرفة [أي اليهود المندمجين في غرب أوربا واليهود غير اليهود] ، والعناصر اليهودية المحافظة [أي يهود شرق أوربا واليهود المتدينين]ـ وقد حدث ذلك بموافقة الطرفين دون أي تنازل من الجانبين ودون أية تضحية فكرية". كما تَباهَى هرتزل بمصالحة أخرى أجراها بين الحضارة الغربية ويهود العالم.
وهرتزل كان محقاً تماماً فيما يقول، فالخطاب الصهيوني المراوغ (الذي وضع هو أساسه) نجح في إخفاء كل التناقضات وفي التوجه إلى كل القطاعات المعنية، إلى كل قطاع بصوت يرضيه. كما أنه تجاهل العرب تماماً، فلم يذكرهم بخير أو شر. وقد احتفظ هذا الخطاب بتوجُّهه الأساسي من خلال التمسك بالصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة (والمهوَّدة) وإخفائها إلى حدٍّ كبير في آن واحد، على أن تعبِّر عن نفسها من خلال تنويعات عليها تخبئها سحابة كثيفة من الإستراتيجيات والحيل البلاغية المتنوعة التي سندرسها حتى يمكننا أن نفك شفرة الخطاب الصهيوني.