وتتبدَّى خاصية المراوغة في الخطاب الصهيوني في عبارة «خَلْق حقائق جديدة» . فالصهيونية عقيدة تتضمن أطروحاتها الأساسية (الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة) مسألة طرد العرب والاستيلاء على أراضيهم. ولكن، لأسباب عملية عديدة، لم يتمكن الصهاينة من الإعلان عن أهدافهم، وأعلنوا أنهم ليست لديهم أية أطماع توسعية بل يرحبون بوجود العرب داخل الدولة الصهيونية (وكأن هذا أمر ممكن بالفعل) . ولكنهم كانوا يعلمون أنه حين تتغيَّر موازين القوة، وحين تحين اللحظة، فبإمكانهم التحرك لتحقيق الأهداف الكامنة (طرد العرب ـ الاستيلاء على أراضيهم) فيغيِّرون الوضع القائم ويخلقون حقائق جديدة لدعم الوضع القائم الجديد المبني على العنف. ويتم تعديل الأهداف الصهيونية المعلنة بما يتفق مع الوضع الجديد.
وهذا ما فعله الصهاينة بالضفة الغربية، بعد عام ١٩٦٧. فقبل ذلك التاريخ لم يكن أحد يتحدث عن ضم الضفة الغربية (إلا المتطرفون والمجانين) ، إذ كان الهدف المعلن هو العيش في سلام مع العرب داخل حدود ١٩٤٨. ولكن، بعد أن تم ضم الضفة الغربية، قام الصهاينة بتكثيف الاستيطان لخلق حقائق جديدة حتى يُواجَه العالم الخارجي بأمر واقع جديد. ويتم حينذاك إعادة تعريف السلام، فيصبح الانسحاب من بعض أجزاء الضفة الغربية وحسب هو الحد الأقصى الممكن.
إن المدلول المحوري (الركيزة النهائية) في كل المنظومة الصهيونية هو إرادة القوة، فهذه هي الميتافيزيقا الحقيقية، وهي في هذا لا تختلف عن الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية الغربية عامةً.