المرحلة الثانية: وتمتد منذ صدور وعد بلفور عام ١٩١٧ وحتى قيام دولة إسرائيل عام ١٩٤٨. وشهدت هذه الفترة تكثيف أنشطة الاستيطان اليهودي في فلسطين، بدعم سياسي ومالي كامل من جانب بريطانيا التي كانت تمثِّل القوة الاستعمارية الرئيسية آنذاك. وتبع ذلك اتساع أنشطة المنظمات الصهيونية في البلدان العربية بتياريها الأساسيين: الاستيطاني الرامي إلى تشجيع هجرة يهود أوربا إلى فلسطين وبناء المؤسسات اللازمة لاستقرارهم هناك، والتوطيني الذي ينحصر دوره في تمويل عمليات الاستيطان ودعمها سياسياً ودعائياً. ففي فلسطين، اتسع نشاط مكتب فلسطين والصندوق القومي اليهودي، كما بُذلت محاولات لعقد لقاءات بين ممثلي الحركة الصهيونية والقادة العرب المحليين، بغرض امتصاص الغضب العربي على مخطط استعمار فلسطين ومن ثم توفير مناخ ملائم لمواصلة هذا المخطط. إلا أن هذه المحاولات قُوبلت برفض كامل من الجانب العربي الذي كان يدرك خطورة النشاط الصهيوني، وهو ما تمثَّل في مقررات المؤتمر العربي الأول (١٩١٣) الذي أكد عروبة فلسطين وكشف حقيقة الدعاية الصهيونية الزائفة عن المستوطنين اليهود باعتبارهم رواد تنوير وتحديث وعن إمكان التعايش بين المستعمرين وضحاياهم من العرب. وفي مصر، تمثَّلت أهم أنشطة المنظمات الصهيونية في تمويل وتدريب الفيلق اليهودي المعروف باسم «فرقة البغالة» ، والتي شُكِّلت إثر اندلاع الحرب العالمية الأولى كجزء من القوات البريطانية المقاتلة، حيث كانت الفرقة تتلقى تدريبات في معسكر القباري بالإسكندرية، وساهم في تمويلها عدد من كبار التجار اليهود في مصر؛ فيكتور النجار ورافائيل هراري ومنسَّى وجاتينيو وقطاوي، وغيرهم. ومن ناحية أخرى، اندمجت معظم المنظمات والجمعيات الصهيونية في مصر لتُشكِّل فرعاً للمنظمة الصهيونية العالمية يشرف عليه ليون كاسترو، وتفرعت عنها عدة جمعيات وبصفة خاصة في الإسكندرية. وفي العراق، ساعدت سلطات الانتداب