٨ ـ شهدت الفترة التي سبقت حروب الفرنجة تزايد حركة الحج. وكانت أهم المزارات روما حيث يُوجد ضريح لكلٍّ من بطرس وبولس، وكذلك ضريح سنتياجو دي كومبوستلا في شمال غربي إسبانيا. ولكن أهم المزارات جميعاً كانت هي القدس حيث تضم كنيسة القيامة. ولم يكن الحج عملاً من أعمال التقوى وحسب، وإنما أصبح وسيلة للتكفير عن الذنوب. بل كان القساوسة يوصون، في بعض الأحيان، بالحج لمن يرون أنه اقترف إثماً فاحشاً. وكان الحجاج يرجعون بقصص عن مدى ثراء الشرق، كما أنهم كانوا يتحدثون أيضاً عن المتاعب التي تجشموها والأهوال التي لاقوها. ولا شك في أن حديثهم هذا كان له أساس من الصحة حيث إن المنطقة لم تكن تنعم بالهدوء أو الاستقرار، وخصوصاً أن السلاجقة كانوا قد بدأوا في شن هجومهم على الدولة البيزنطية. ولكن مما لا شك فيه أنه كان هناك عنصر مبالغة، فالعائدون كانوا يريدون إبراز بطولتهم، وكان الوجدان الشعبي يتلقف هذه القصص ويضخمها، وخصوصاً أن المستوى الثقافي لجماهير أوربا آنذاك كان متدنياً إلى أقصى حد.
٩ ـ يبدو أن حركة استرداد إسبانيا من المسلمين، وتَفاعُل المسيحيين مع المسلمين إبان حرب الاسترداد، قد تركا أثرهما في الرؤية المسيحية للحرب، إذ تأثر العالم المسيحي بفكرة الجهاد الإسلامي، فبدا أن الحرب للدفاع عن المجتمع المسيحي، ولاسترداد القدس، ليست حرباً عادلة وحسب وإنما حرب مقدَّسة أيضاً. ويبدو أن نشوء جماعات من الرهبان المحاربين مثل فرسان الهيكل وفرسان الإسعاف (الداوية والإسبتارية) هو صدى لفكرة المرابطين الإسلامية.