ومن الحقائق الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها ما نسميه تصاعُد الحمَّى المشيحانية، أي الرغبة في العودة إلى صهيون (أي فلسطين) والاستيلاء عليها وتحويلها إلى وطن قومي يهودي. إذ من المعروف أن الشريعة اليهودية تحرِّم على اليهود العودة إلى فلسطين وعلى اليهودي أن ينتظر بصبر وأناة إلى أن يشاء الإله ويرسل الماشيَّح، فيحق له حينئذ أن يعود. ويرى كثير من المؤرخين أن حمَّى العودة ورَفْض الانتظار بدأت بين اليهود بحملات الفرنجة ووصلت إلى قمتها مع الحركة الصهيونية التي حققت النجاح لأنها جندت النزعة الاستعمارية في المجتمع الغربي وتحالفت معها ووضعت نفسها تحت تصرفها. وما يهمنا هنا من الحركات المشيحانية حركة الماشيَّح الدجال (داود الرائي) المولود عام ١١٣٥ إذ يبدو أن هجمات الفرنجة على فلسطين، والفوضى التي أعقبتها، طرحت إمكانية العودة وتحرير القدس في مخيلة بعض أعضاء الجماعات اليهودية. وقد تركزت دعوة داود الرائي هذا في آمد (في جبال كردستان) على الطريق الإستراتيجي الموصل بين مملكة الخزر اليهودية التركية وممالك الفرنجة. ولعل شيئاً من ذكرى إمبراطورية الخزر وأمجادهم كان لا يزال عالقاً بذهن داود الرائي وأتباعه.