ومن المعروف أن الكيانات الاستيطانية لا تفقد صلتها قط بالوطن الأم بل تعتمد عليه اعتماداً يكاد يكون كاملاً لأنها، بسبب تناقضها الجوهري مع البيئة المحلية التي تلفظها، تستمد مقومات الحياة من دعم عسكري ومالي وهوية ثقافية ومادة بشرية من وطنها الأصلي. وهذه سمة أساسية في الكيانين الفرنجي والصهيوني، مع تنويعات فرعية تنصرف إلى التفاصيل لا الجوهر. فمثلاً اعتمدت ممالك الفرنجة على كل أوربا كمصدر للدعم، ولكن اعتمادها كان على فرنسا بالدرجة الأولى. وكذلك، فإن الدولة الصهيونية التي اعتبرت أوربا قاعدتها الإستراتيجية واعتمدت على معظم دول العالم الغربي الرأسمالي مع التركيز على بلد واحد هو إنجلترا ثم فرنسا لفترة قصيرة وأخيراً الولايات المتحدة منذ منتصف الستينيات. ومع سقوط الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي تطرح الدولة الصهيونية نفسها باعتبارها قاعدة للحضارة الغربية كلها في مواجهة العالم الإسلامي. ويشير أحد الدارسين الإسرائيليين إلى أنه كان هناك جباية فرنجية موحدة تماماً مثل الجباية اليهودية الموحَّدة.