«الصهيونية المسيحية» مصطلح انتشر في اللغات الأوربية وتسلَّل منها إلى اللغة العربية، حيث تتم ترجمة كل المصطلحات بأمانة شديدة وتبعية أشد دون إدراك مضامين المصطلح، ومن ثم فإننا لا نعرف إن كان هذا المصطلح يعبِّر عن موقفنا بالفعل وعن رؤيتنا للظاهرة أم لا. والواقع أن مصطلح «الصهيونية المسيحية» يضفي على الصهيونية صبغة عالمية تربطها بالمسيحية ككل، وهو أمر مخالف تماماً للواقع، إذ ليس هناك صهيونية مسيحية في الشرق. بل إن أوائل المعادين للصهيونية بين عرب فلسطين كانوا من العرب المسيحيين، وأول مفكر عربي تنبأ بأبعاد الصراع العربي ـ الصهيوني وبمدى عمقه هو المفكر المسيحي (اللبناني الأصل الفلسطيني الإقامة) نجيب عازوري. كما أن الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية تعارضان الصهيونية على أساس عقائدي ديني مسيحي. وإن حدث تقارب ما (كما هو الحال مع الفاتيكان) ، فإن ذلك يتم مع دولة إسرائيل ولاعتبارات عملية خارجة عن الإطار الديني العقائدي إلى حدٍّ كبير. بل هناك في الغرب المسيحي البروتستانتي عشرات من المفكرين المسيحيين الذين يرفضون الصهيونية على أساس ديني مسيحي أيضاً. ولذا، فإن مصطلح «الصهيونية المسيحية» غير علمي نظراً لعموميته ومطلقيته. ومن هنا، فإن الحديث يجري هنا، في هذه الموسوعة، عن «الصهيونية ذات الديباجة المسيحية» ، فهي صهيونية غير مسيحية بأية حال، بل صهيونية استمدت ديباجتها (عن طريق الحذف والانتقاء) من التراث المسيحي دون الالتزام بهذا التراث بكل قيمه وأبعاده، ودون استعداد منها لأن يُحكَم عليها من منظوره الأخلاقي (ويمكنها أن تستخدم ديباجات إلحادية دون أن يتغيَّر مضمونها أو بنيتها الفكرية الأساسية) . وفي تصوُّرنا أن هذا هو الفارق بين أية عقيدة دينية وأية عقيدة علمانية، فالمؤمن بعقيدة دينية يؤمن بمجموعة من القيم المطلقة المتجاوزة لإرادته (فهي ليست من إبداعه ولا من إبداع غيره من البشر) ، ومن ثم يمكن