وقد أنشأ فرسان الهيكل الألمان مستعمرات أخرى مثل: مستعمرة يافا (١٨٦٩) ومستعمرة سارونا على طريق تل أبيب ـ يافا (١٨٧١) ، ومستعمرة ريفايم (١٨٧٢) التي صارت مقر إدارة الجمعية (١٨٧٨) ، ومستعمرة فالهالا (١٨٩٢) ، ومستعمرة فيلهلما (١٩٠٢) . وقد كان نشاط المستعمرات زراعياً بالدرجة الأولى في بداية الأمر، ولكن المستوطنين اتجهوا بالتدريج نحو التجارة والصناعة وانصرفوا عن الزراعة، فأنشأوا العديد من الورش والمعامل حتى أصبحوا محور الحياة الاقتصادية في حيفا وأدخلوا أنشطة ثقافية متعددة مثل الأمسيات الموسيقية والمسرح والنوادي الرياضية وأوجه الثقافة الأوربية كافة.
وكانت علاقة المستوطنات بالوطن الأم علاقة شد وجذب. وثمة عوامل كانت تضغط على ألمانيا باتجاه تقديم العون للمستعمرين الألمان في فلسطين: الرأي العام الألماني، والبلاط القيصري، ووزارة خارجية فورتمبرج، والبحرية الألمانية. ولكن العوامل الأقوى هنا هي التي أدَّت إلى ابتعاد الوطن الأم عن المستوطنات. فمصالح الوطن الأم عادةً ما تكون ذات نطاق عالمي، فمسرح نشاطها هو العالم بأسره أما المستوطنات فتدور في إطار مصالحها الضيقة المباشرة. فمع عام ١٨٧١، وبعد تحقُّق الوحدة الألمانية التي تلت انتصار ألمانيا على فرنسا، تحولت ألمانيا إلى دولة عظمى في أوربا وبدأ الاهتمام بالحصول على مستعمرات أفريقية، واتجهت السياسة الألمانية إلى التحالف مع العثمانيين في مواجهة الإنجليز والروس، ولذا لم تحاول ألمانيا دَعْم فرسان الهيكل كثيراً. ومن ثم، أخذت الدعوة للهجرة من ألمانيا تتوقف، وخصوصاً بعد تَحسُّن الأحوال الاقتصادية في ألمانيا نفسها، وانتهت تماماً بحلول عام ١٨٧٥. وقد أدرك المستوطنون هذا وتوقفوا عن السعي لتحقيق غايتهم المنشودة وهي تجميع شعب الإله في القدس وإقامة مملكة الرب، وتَركَّز اهتمامهم على تحسين أحوالهم المعيشية.