يرى فيبر أن أهم نقط التشابه بين الإنسان الوثني القديم والإنسان الحديث هو أن كليهما يفتقر إلى إطار مرجعي معرفي وأخلاقي متكامل متماسك يكتسب تكامله وتماسكه من خلال عقيدة دينية أو ميتافيزيقية، أي أن كليهما لا يؤمن بـ «ديانة عالمية» . فكل من الإنسان الوثني والإنسان الحديث يعيش في عالم يفتقر إلى المركز ويتسم بتعدد العقائد والنظم المعرفية والأخلاقية (أي لا تُوجَد «قصة عظمى» وإنما هي «قصص صغرى» ، إن أردنا استخدام المصطلح ما بعد الحداثي) . ولذا، فإن الإنسان الوثني البدائي يعيش في عالم مخيف يتهدده من كل جانب، فهو لا يؤمن بعالم آخر ويعيش في هذه الدنيا محاطاً بآلهة وشياطين متصارعة لصيقة بعالمه المادي المباشر غير مفارقة له إلا بمسافة صغيرة. وعقيدته الدينية (قصته الصغرى) لا تجيب على أي أسئلة كلية، فهي لا تُقدِّم رؤية كونية شاملة (قصة عظمى) . ولذا، فهي قادرة على أن تُهدئ من روعه قليلاً وبشكل مؤقت شريطة أن يذهب إلى الساحر ليُزوِّده بالتعويذة اللازمة لهذه المناسبة، وبعد أن يُقدِّم القرابين لإلهه الخاص أو لإله الجماعة أو لإله المكان (دون الآلهة الأخرى) في مذبح معيَّن، وبعد أن يقوم بالشعائر المطلوبة بكل دقة، دون وجود منطق كلي واضح وراء كل هذا. وعلاقة الوثني بالآلهة وبالساحر علاقة مادية تعاقدية مباشرة، محددة بنظام المناسبة المباشرة: اتقاء شر إله المكان، أو طلب مساعدة في مهمة معينة، دون وجود منظومة كونية عالمية شاملة.