بل إن مشكلة المعنى بالنسبة للإنسان الحديث تزداد حدة، إذ عليه أن يتعامل مع أكثر من عالمين (هذا العالم والعالم الآخر) . فالوجود الإنساني في المجتمع الحديث قد تم تقسيمه إلى عوالم ومجالات مختلفة منفصلة يسميها فيبر «نظم الحياة» (بالإنجليزية: لايف أوردرز life orders) ، فهناك النظم أو المجالات العامة مثل المجال الاقتصادي والمجال السياسي، وهناك المجالات الخاصة مثل المجال الجماعي والمجال الجنسي والمجال الفكري. ولكل نظام إجابته الخاصة على الأسئلة الكلية دون وجود إطار كلي ينتظمها جميعاً، ومثل هذا التشظي لا يمكنه أن يزود الإنسان بإجابة على الأسئلة النهائية، ولذا يظل عالم المعنى فارغاً ويظل كذلك عالم الأخلاق فارغاً، فمع غياب المعنى ونسبية المعرفية تسيطر النسبية الأخلاقية والنفعية المادية التي لا تختلف كثيراً عن أخلاقيات الوثني البدائي النسبية النفعية. ونحن نضيف إلى هذا أن كثيراً من المجالات التي يشير إليها فيبر قد أسقطت تماماً الأسئلة الكلية والنهائية ولم تثرها أساساً، أي أنها حلت مشكلة المعنى عن طريق إلغائها واكتفت بالترشيد الإجرائي وأخلاقيات الصيرورة، أي الالتزام بقواعد اللعب وبالإجراءات دون أي بحث عن معنى كلي أو نهائي.