للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ذلك الحين، كانت الولايات المتحدة (بتوجُّهها البروتستانتي الحرفي) تمور بالمفكرين الصهاينة غير اليهود مثل مانويل نواه (صاحب مشروع أرارات) ووليام بلاكستون. كما ظهرت فيها جماعات صهيونية مسيحية بعضها متعاطف مع اليهود والبعض الآخر يُكِّن له الحقد والاحتقار من أهمها جماعة شهود يهوه والمورمون. كما كانت توجد جماعة صهيونية مسيحية كان لها مشروعها الاستيطاني المستقل هي جماعة فرسان الهيكل الألمانية.

ومن الأمور المهمة والجديرة بالذكر أن كل هؤلاء الصهاينة غير اليهود توصلوا إلى الصيغة الصهيونية الأساسية، وأضافوا لها الديباجات لتبريرها، وخططوا المشروعات لوضعها موضع التنفيذ دون أية مؤثرات يهودية (فكرية أو غيرها) . وفي كثير من الأحيان، كان ذلك يتم دون أيِّ احتكاك باليهود أو أية معرفة بهم، ففكرهم وُلد من داخل النموذج الحضاري الغربي، وهو ثمرة بنية الحضارة الغربية نفسها ونتاج حركياتها وتطوُّر مصالحها الإستراتيجية. وقد أعلن أحد المؤتمرات الصهيونية أن أبا الصهيونية (الحقيقي) هو الصهيوني غير اليهودي بلاكستون، وهو وصف دقيق ومباشر وليس فيه أية أبعاد مجازية. ولنا أن نلاحظ أن معظم المفكرين الصهاينة غير اليهود كانوا شخصيات غريبة الأطوار، إن لم تكن شاذة ومهزوزة، ومع هذا فإن أفكارهم كانت تجد صدى في الأوساط السياسية الغربية، وهو ما يدل على أن هذه الأفكار تعبِّر عن شيء أصيل وكامن في الحضارة الغربية آنذاك، يتجاوز شذوذ وغرابة أطوار حَمَلة هذا الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>