للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن روتشيلد مؤيداً أول الأمر لصهيونية هرتزل السياسية، وقد اتسمت أول مقابلة بينهما في باريس عام ١٨٩٦ بالفتور الشديد، بل كان يرى أن هرتزل ليس إلا شنورر، أي متسول مثل آلاف المتسولين من شرق أوربا الذين كانوا يتدفقون على وسطها وغربها. كما أن روتشيلد كان يذهب إلى أن المشروع الصهيوني برمته مشروع غير عملي، وأن فلسطين لن تستطيع استيعاب هجرة جماعية ضخمة. وكان يرى أنه بالرغم من حاجة السلطان العثماني إلى النقود إلا أنه لن يمنح فلسطين للصهاينة لتأسيس دولة فيها، وأنه سيكتفي بإعطاء بعض الوعود الغامضة التي لا قيمة لها. كما كان يخشى من أن تثير إقامة دولة يهودية مشاعر معادية لليهود وتؤدي إلى المطالبة بطرد اليهود من البلاد التي يعيشون فيها. لكل هذا، كان روتشيلد يفضل أن تتم عملية الاستيطان في فلسطين بشكل هادئ وتدريجي. إلا أنه مع توسُّع الاستيطان اليهودي في فلسطين، والذي تم تحت رعايته، ونجاح المشاريع المختلفة التي أسسها هناك، توطدت علاقته بالمنظمة الصهيونية، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى، حيث استخدم نفوذه للحصول على موافقة فرنسا على وعد بلفور وعلى إدخال فلسطين تحت الانتداب البريطاني.

كما أن عملية توطين اليهود في فلسطين كان لها بعدها السياسي، فروتشيلد كان مرتبطاً بالمصالح الرأسمالية الإمبريالية الفرنسية التي كانت تريد توسيع رقعة نفوذها في الشرق وكانت تفكر بحماس شديد في التركة التي سيتركها رجل أوربا المريض (الدولة العثمانية) . والمشروع الصهيوني هو في نهاية الأمر جزء من المخطط الإمبريالي لاقتسام الإمبراطورية العثمانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>