للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعظم التسلليين كانت تجربتهم تقليدية محدودة وكانوا يدورون في إطار الجماعة الوظيفية التي تمارس قيادتها السيطرة الكاملة عليها، وتقوم بدور الوسيط (شتدلان) بين الجماعة اليهودية والقوة الحاكمة. والقيادة اليهودية كانت دائماً مجموعة من الحاخامات والأثرياء. ولكن بات من الواضح للجميع أن الحاخامات كانوا قد فقدوا كل صلة بالواقع الغربي الحديث، وأن ثقافتهم التلمودية وجهلهم بلغة البلد قد زادهم عزلة. ولذا، لم تَعُد الحكومات تخاطبهم في أمور اليهود كما كان يحدُث في الماضي. أما أثرياء شرق أوربا فكان عددهم صغيراً، وكانوا ضعفاء جداً وفي حالة هلع شديد للحفاظ على مواقعهم الطبقية الجديدة، ولذا كانوا يؤثرون الحفاظ على مسافة كبيرة بينهم وبين الجماهير اليهودية في بلادهم.

وحيث إن يهود اليديشية لم يدركوا أهمية الإمبريالية لأنهم كانوا من شرق أوربا، خاضعين للرقابة في الإمبراطورية القيصرية، وهي إمبراطورية لم يكن لها مشروع استعماري استيطاني في فلسطين أو حولها (إذ أخذ مشروعها الاستعماري شكل التوسع من خلال ضم المناطق المتاخمة لحدودها) ، لذا نجدهم يتحركون نحو الغرب (مركز القوة) . وكان في هذا تحديث للحركة، ولكنهم كانوا لا يتوجهون إلى حكوماته وإنما إلى أثرياء اليهود في الغرب (بدلاً من أثرياء اليهود في الشرق) كي يقوموا بتمويل نشاطهم الاستيطاني والتسللي. ولعل توجُّههم للأثرياء بدلاً من الحكومات هو نفسه نتاج تجربتهم مع الدولة الروسية التي لم تكن تتمتع بعد بالمركزية والهيمنة التي كانت تتمتع بها نظيراتها في أوربا الغربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>