للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان التسلليون، بسبب طبيعة نشأتهم في شرق أوربا، يهتمون بمسائل الهوية اليهودية (اليديشية) وبعملية إصلاح اليهود واليهودية. ثم جاء هرتزل وحدد الأولويات بطريقة مختلفة تماماً، فبدلاً من جهود التسلليين الصغيرة طرح رؤيته الخاصة بما سماه «الاستيطان القومي» الذي يضمنه القانون العام، أي الدول الغربية الاستعمارية الكبرى. والواقع أن هرتزل، من خلال صهيونيته الدبلوماسية الاستعمارية، حدَّد أولويات الحركة بطريقة مغايرة تماماً للطريقة التي حددتها بها الصهيونية التسللية: موافقة استعمارية ثم استيطان، وهي صيغة تتفق مع الظروف التاريخية السائدة في أوربا وفي العالم ومع موازين القوى الفعلية التي جعلت من الحتمي على المشروع الصهيوني (وعلى أي مشروع استيطاني آخر) الاستعانة بالقوى الإمبريالية حتى يخرج إلى حيز الوجود. وقد كان هرتزل محقاً تماماً في موقفه، فافتقاد المتسللين لأساس القوة جعلهم بالضرورة مفتقدين للاستقلال والسيادة، الأمر الذي جعل استيطانهم عديم الفائدة، خاضعاً لرحمة أو غضب أي باشا ويبقى دائماً عُرضة لفرض القيود عليه (على حد قول نوردو) . كما أن هرتزل لم يكن يهتم كثيراً بالمسائل الإثنية لأنها لم تكن تعنيه كثيراً، فهي لا تعني الدول الكبرى التي يتوجه إليها طالباً الدعم والشرعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>