ورغم هذا، استمر الخلاف بين ما يمكن تسميته «الصهيونية العملية (الاستيطانية) » مقابل الصهيونية الدبلوماسية (التوطينية) ، فقد شهدت الفترة الواقعة بين عامي ١٨٩٧و١٩٠٥ تبلور معارضة الصهاينة الاستيطانيين الذين طالبوا بالتركيز على البند الأول من برنامج بازل الخاص بتشجيع عملية الاستيطان في فلسطين، بينما انصرف اهتمام تيار هرتزل الدبلوماسي إلى تحقيق البند الرابع من البرنامج وهو الخاص بالحصول على ضمان أو اعتراف من الدول الاستعمارية الرئيسية لحماية مشروع إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين. ولم تكن الخلافات بين العمليين (الاستيطانيين) من جهة، والدبلوماسيين (التوطينيين) من جهة أخرى، سوى خلافات ناجمة عن سوء الفهم من جانب العمليين الذين لم يكونوا قد أدركوا بعد أهمية الدولة الاستعمارية الراعية للمشروع الصهيوني، رغم قبولهم إياها، ومن جانب الدبلوماسيين التوطينيين الذين لم يدركوا أهمية سياسة خَلْق الأمر الواقع في فلسطين وضرورة تبنِّي ديباجات إثنية لتجنيد المادة البشرية المُستهدَفة. ومع هذا، بدأت عملية التقارب، إذ بدأ الاستيطانيون يدركون بالتدريج تفاهة فكرة الاعتماد على الذات، ولذا أصبح النشاط الاستيطاني في مرتبة ثانوية بالنسبة لمنظمة هرتزل الصهيونية، كما بدأوا يدركون أولوية الجهود الدبلوماسية الاستعمارية على الجهود الاستيطانية. وربما لهذا السبب لا نسمع كثيراً عن جهود استيطانية مكثفة في هذه المرحلة. ونظراً لسطحية الاختلاف، لم يكن من العسير التوفيق بين الاتجاهين. فمن البداية أعربت المنظمة الصهيونية عن استعدادها للاعتراف بالاستيطان الذي يتم بناء على ترخيص مسبق من الحكومة التركية، وأعلنت عن استعدادها لتقديم المساعدة لمثل هذا الاستيطان، بل أقامت المنظمة لجنة خاصة لشئون الاستيطان.