وقد ساعدت صياغة هرتزل المراوغة على امتصاص كل الخلافات، فتعلَّم الصهاينة أن يعيشوا مع التناقض والصراعات ما دام ثمة اتفاق على الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة وعلى الأولويات الإجرائية.
ولعل كلمات الزعيم الصهيوني الروسي مناحيم أوسيشكين هي أدق تلخيص لصهيونية ما بعد هرتزل بمقدرتها الامتصاصية الفائقة، فقد اقترح العودة لا إلى صهيونية أحباء صهيون (التسللية الاستيطانية) ولا إلى الصهيونية الدبلوماسية (صهيونية هرتزل) ، وإنما إلى مزيج من هذه التيارات الثلاثة، وبلغة أخرى إلى الصهيونية السياسية كما نص عليها برنامج بازل، أي أنه اقترح العودة إلى صهيونية هرتزل!
ولكن الذي حَسَم الخلاف تماماً بين الفريقين لم تكن المؤتمرات الصهيونية وإنما التطورات الدولية. فبعد اتخاذ قرار تقسيم تركيا، ومع اهتمام إنجلترا المتزايد بالبُعْد الجيوسياسي لفلسطين، لم يكن أمام الصهاينة (العمليين أو السياسيين أو خلافهم) سوى انتظار الدولة الراعية التي سترعى مصالحهم والتي ستوفر لهم الأرض والضمانات الدولية اللازمة. والصهيونية التي لم يكن لديها أية جماهير لم تكن تملك سوى الانتظار والتلقي، وبذا يكون الاستعمار الغربي في واقع الأمر مصدر الوحدة بين الاتجاهات الصهيونية المختلفة.
ويظهر التمازج الكامل بين الاتجاهات الصهيونية المختلفة عام ١٩١٧، إذ نجد أن وايزمان (زعيم الصهيونية العملية الاستيطانية) هو أيضاً الذي سعى إلى استصدار وعد بلفور، قمة جهود الصهيونية الدبلوماسية الاستعمارية، وكان آحاد هعام (زعيم التيار الصهيوني الإثني العلماني) يقدم له المشورة.
ويمكن تلخيص إنجازات صهيونية يهود شرق أوربا في النقاط التالية: