ويُقدِّم بنسكر طرحاً مغايراً تماماً للرؤية الدينية، فينظر لليهود في سياق وضعهم الهامشي في المجتمع الغربي، وفي إطار التحولات التي طرأت على هذا المجتمع (التصنيع والتحديث والتنوير والإعتاق والعلمنة) والتي أدَّت إلى ظهور المسألة اليهودية في إطار فكرة الشعب العضوي المنبوذ من المجتمع الغربي. فهو يقول إن اليهود شعب عضوي لا يمكن أن يذوب في الأمم الأخرى، ولذا فهو يعيش في بلاد لا تعترف به ابناً لها، فالألماني الفخور بصفاته التيوتونية والسلافي الفخور بصفاته السلافية وغيرهم لا يعترفون بأن اليهودي يتساوى معهم بالمولد، فهذه القوميات العضوية تجعل الانتماء القومي مسألة عضوية موروثة. واليهود، رغم أنهم شعب عضوي، إلا أنهم يفتقرون إلى كثير من الصفات القومية العضوية (لغة وعادات مشتركة وأرض مشتركة) كما أنهم ليس لهم وطن أصلي ولا حكومة تمثلهم، ولهذا تحوَّلوا من أمة يهودية إلى يهود، وأصبحوا بذلك شعباً ميتاً: فقدوا استقلالهم وتحولوا إلى حالة التعفن التي لا تستطيع مسايرة العضو الحي المتكاسل. وهم "شبح" يأتي من عالم الأموات (ولنلاحظ أن كل الصور المجازية الإدراكية هنا صور مجازية عضوية) . ثم تتري الصور المجازية التي تدل على تقبُّل بنسكر مقولات معاداة اليهود:"إننا قطيع منتشر في أرجاء المعمورة دونما راع يحمينا ويجمعنا معاً. أما في أحسن الظروف، فقد نصل إلى مرتبة الماعز التي تبيت (حسب التقليد الروسي) في إسطبلات الخيل"، وإذا بقيت الظروف على ما هي عليه "فسنظل طفيليين نعتمد في معيشتنا على بقية السكان". وهذا هو أس البلاء، فما دام اليهود عنصراً قومياً غريباً، ضيوفاً على أمم مضيفة، فإنهم سيظلون محط كراهية كل الشعوب لأن الناس تخاف من الأشباح.