وقد بيَّن المفكر الصهيوني جيكوب كلاتزكين المولود في روسيا أن هرتزل هو ثمرة الوعي الإنساني العالمي (أي الغربي) لا ثمرة وعي ثقافي يهودي منحط (من شرق أوربا) ، وكلاتزكين مُحقٌّ في ذلك إلى حدٍّ كبير (مع عدم قبولنا لتقييماته وتحيزاته) . ولكنه، على أية حال، أهمل أهمية القشرة اليهودية السطحية في تكوين هرتزل، فهي التي أكسبته الشرعية أمام جماهير شرق أوربا اليهودية وأظهرته بمظهر اليهودي الغربي العائد إليهم، ولهذا فقد اعتبروا عودته إحدى علامات آخر الأيام.
ولم يكن هرتزل سوى واحد من جيل طويل من اليهود المغتربين الذين كانوا يتنصرون لإعلان ولائهم الغربي (مثل دزرائيلي ووالد ماركس وهايني) . ولكنهم، مع ازدياد العلمانية في الحضارة الغربية، أصبح بإمكانهم الانتماء إلى الغرب بلا تنصُّر، فالغرب نفسه كان قد بدأ يفقد مسيحيته.
ولم تكن هامشية هرتزل وحدها هي التي ترشحه لأن يكون الجسر الموصل، وإنما نرى أن سطحيته الفكرية ساهمت إلى حدٍّ كبير في ذلك. ولأنه كان يظل دائماً على سطح الأشياء، لم يدرك عمق التناقضات بين الصهيونية الغربية وصهيونية شرق أوربا، وهو ما جعله قادراً على أن يصل للصيغة المراوغة التي سترضي الجميع دون أن يضطر أحد للتنازل عن شيء. وأعتقد أن عبقريته التي تتحدث عنها التواريخ الصهيونية تكمن هنا.