وقد أدرك كلاتزكين وجود صهيونيتين (توطينية غربية واستيطانية شرقية) . وفي نهاية إحدى المقالات في مجموعة الحدود (١٩١٤) ، يقول:"إن هرتزل لم يظهر نتيجة وعي قومي يهودي وإنما ظهر نتيجة وعي إنساني عالمي" (عبارة "إنساني عالمي" تعني في النصوص الصهيونية عادةً "غربي") . وقد عاد هرتزل إلى شعبه، ولكن الذي عاد ـ في رأي كلاتزين ـ لم يكن هرتزل اليهودي وإنما هرتزل الإنسان (فكأن ثمة تناقضاً بين إنسانية اليهودي ويهوديته) . فالصهيونية بين اليهود الغربيين تتغذى بعدد من العوامل الإنسانية العلمانية غير القومية، ولا تعتمد في غذائها على اليهودية وإنما على الحضارة بشكل عام. هذه هي صهيونية الغرب الخارجية (التوطينية) ، أما صهيونية يهود الشرق فهي ليست كذلك، فالصهيونية بالنسبة ليهود اليديشية ليست حركة عالمية مُدمِّرة من جهة ومُعمِّرة من جهة أخرى (مدمرة لليهودية التقليدية ومعمرة للانتماء القومي اليهودي) وإنما هي تعبير عن رغبتهم في الاستمرار فيما هم عليه، فقد جاءوا من وسط ثقافي منحط وبالتالي فإنهم لا يقدمون أياً من تلك القيم الأخلاقية أو الجمالية (الغربية) التي مهدت الطريق للنهضة في الغرب. إن صهيونية الغرب جاءت لتُخلِّص الإنسان داخل اليهود (وليس اليهود) وتعلق آمالها على التقدم العام للحضارة (وليس على تطوير الذات اليهودية) ، فإيمانها القومي ليس إيماناً باليهودية وإنما إيمان بالإنسان بشكل عام، إيمان بقوة الخير والجمال (أي بالقيم العلمانية التي لا علاقة لليهودية بها)