وفكر الصهاينة التصحيحيين هو، في نهاية الأمر، فكر جابوتنسكي الذي يقبل كل الأطروحات الصهيونية الأساسية عن الشعب العضوي المنبوذ الذي يُشكِّل جسماً غريباً في أوربا تلفظه كل المجتمعات، وعن الشعب اليهودي الرديء الذي يكرهه جيرانه عن حق. ويرى جابوتنسكي ـ شأنه شأن هرتزل وأستاذه نوردو ـ أن مصدر هوية اليهود ليس تراثهم الديني أو الإثني (فهذا التراث يمكن الاستغناء عنه تماماً) وإنما هو معاداة اليهود. ولذا، فإن المسألة اليهودية في نظره هي في الأساس مسألة رفض أوربا لليهود، أي مسألة الفائض اليهودي. ولكن جابوتنسكي يُقرِّر، مع هذا، أن اليهود، وضمن ذلك السفارد، شعب أوربي. وقد عرَّف جابوتنسكي الشعب انطلاقاً من أطروحات الفكر العرْقي الغربي بكل ما يتضمنه ذلك من إيمان بتفاوت بين الأجناس.
وأرسلت الحركة التصحيحية أربعة مندوبين إلى المؤتمر الصهيوني الرابع عشر (١٩٢٥) ، وسُمِّيت الجماعة باسم «اتحاد الصهاينة التصحيحيين» . وكان برنامجها ينادي بما يلي: إنشاء دولة صهيون على ضفتي الأردن ـ رفع أية قيود على الهجرة اليهودية إلى فلسطين ـ مصادرة جميع الأراضي المزروعة والعامة في فلسطين ووضعها تحت تصرُّف الحركة الصهيونية.
عمل التصحيحيون على تفريغ أوربا من اليهود، وعلى تهجير أكبر عدد ممكن من اليهود في أقصر وقت ممكن. ولزيادة مقدرة فلسطين الاستيعابية، طالبوا بتوطين الطبقة الوسطى وتطوير القطاع الخاص، لأن دخول رأس المال الخاص سيخلق فرص عمل جديدة. ولذا، فقد طالبوا بالتركيز على تطوير القطاع الصناعي والزراعة المكثفة. ونادى التصحيحيون بتأجيل الصراع الطبقي وقبول التحكيم الإجباري لحسم الخلافات بين العمال والرأسماليين ولسحق التمرد العربي دون اللجوء إلى البريطانيين، وقد شدد التصحيحيون على ضرورة إنشاء وحدات عسكرية يهودية مستقلة.