ويمكن القول بأن الموجة الثانية من الهجرة اليهودية (١٩٠٥ ـ ١٩١٤) هي التي أتت بالمادة البشرية الاستيطانية العمالية. فالمهاجرون اليهود في الموجة الأولى من الهجرة كانوا في معظمهم من أبناء الطبقة الوسطى، ولذا فقد استقروا في المدن الفلسطينية، ولم يعمل منهم في الزراعة سوى ٥% فقط. أما مهاجرو الموجة الثانية فكانوا ـ لاعتبارات تتعلق بانتماءاتهم الطبقية والأيديولوجية على حدٍّ سواء ـ مصرين على العمل الزراعي الذي رأوه مفتاحاً لحل المسأة اليهودية وإصلاح الهرم الاجتماعي المقلوب عند اليهود.
لقد تمت هذه الموجة " الثانية " من الهجرة في سنوات الهجرة اليهودية الكبرى من روسيا وأوربا الشرقية إلى أمريكا، وحدثت نتيجة فشل ثورة ١٩٠٥وازدياد معاداة اليهود في روسيا القيصرية نتيجة تعثُّر التحديث. ولقد كانت الأقلية العقائدية هي التي هاجرت إلى فلسطين بدلاً من أمريكا. كانت هذه الأقلية في معظمها من الشبان (٧٧% كانوا في سن دون ٢٥ عاماً) ، ولا يملكون أية مدخرات، ومتشبعون بالأفكار الشعبوية الروسية (المعادية للصناعة) وبالأفكار الثورية الاشتراكية. ولذا استخدموا هذه الديباجات في تبرير الاستيلاء على الأرض العربية وطَرْد سكانها، ولذا بدلاً من المنطق الاستعماري التقليدي الذي يقوم بطرد السكان الأصليين وإبادتهم لأنهم من أجناس مُلوَّثة لجأ هؤلاء المهاجرون إلى تبرير عمليات الطرد والإبادة من خلال ديباجات اشتراكية ملتهبة. فاستولوا على الأرض بحجة أن الأرض لمن يزرعها، وطردوا أصحابها منها بحجة أن إنتاجيتهم ضعيفة.
وقد تحوَّلت الصهيونية العمالية في المؤتمر الصهيوني الثاني عشر (١٩٣٣) إلى أكبر أجنحة المنظمة الصهيونية العالمية وأكثرها تأثيراً على الصعيدين السياسي والعملي. ويعود هذا إلى نجاحها في مجالين أساسيين: