ثم ينصرف بوروخوف لتعريف المسألة اليهودية داخل هذا الإطار، فيقرر أن ما يميِّز اليهود كشعب (أو نصف شعب أو شبه شعب) هو أنهم شعب «لا أرض له» . وكما يرى بوروخوف، فإن هذا الوضع الشاذ نتج عنه ما سماه بنظرية «الهرم المقلوب» ، فكل شعب يتكون من فئات اجتماعية وطبقات تأخذ شكل الهرم الذي يتكون من قاعدة عريضة تساهم في العمليات الإنتاجية الأساسية. وكلما بَعُدت العمليات الاقتصادية عن هذه العمليات الأساسية، قلَّ عدد العاملين فيها حتى نصل إلى قمة الهرم. ويجد بوروخوف أن هذا الهرم الاجتماعي مُشوَّه تماماً عند اليهود إذ يوجد في صفوفهم عدد كبير من المحامين والأطباء والمفكرين وغيرهم ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى والعمليات الإنتاجية الهامشية، مع قلة قليلة (إن وُجدت) من الفلاحين بالإضافة إلى بروليتاريا صغيرة الحجم نسبياً. وكل هذا يرجع إلى عدم وجود ظروف أو أحوال إنتاج خاصة باليهود، ولذا فهم يظلون بمعزل عن بعض قطاعات الإنتاج التي تظل حكراً على الأمة التي تستضيفهم. وبظهور الرأسمالية وازدياد التطور الصناعي والتنافس الرأسمالي، بدأت الجماهير اليهودية تتحول من حرفيين إلى بروليتاريا. ولكن، بسبب وجودهم المنعزل، وبسبب ظاهرة معاداة اليهود المنتشرة في صفوف البورجوازية والبروليتاريا المسيحية، كان العامل اليهودي لا يجد عملاً إلا عند الرأسمالي اليهودي الذي كان يستثمر رأسماله عادةً في الصناعات الاستهلاكية (لأسباب أوضحها بوروخوف (
ولكل ما تقدَّم، فإن تحوُّل الحرفيين اليدويين اليهود إلى بروليتاريا صناعية كان يتم ببطء شديد وأحياناً كان يتوقف كليةً. ونظراً لأن البروليتاريا اليهودية كانت تعمل في الصناعات الاستهلاكية فحسب، فلم يكن بإمكانها أن تشل الاقتصاد إن قامت بإضراب عن العمل. وبالتالي، لم يكن بإمكانها الدفاع عن نفسها أو المطالبة بحقوقها.