وكتاب كاليشر من الوثائق الصهيونية الأولى التي حاولت تغييب العرب. فبعد أن استوطن فلسطين، اقترح أن يقوم المستوطنون بتنظيم جماعات حراسة تجمع بين العمل الزراعي والعسكري للدفاع عن النفس. ونجد في كتابات كاليشر الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة ونجد الملامح الأساسية للديباجة الإثنية الدينية والعلمانية بل العمالية، ولكن المشكلة الأساسية بالنسبة له (وبالنسبة لكل الرواد الصهاينة) أنهم كانوا يخلطون بين المشروع الذي يقترحونه، وهو مشروع استعماري، وبين مشاريع يهود الغرب لتوطين اليهود. فيهود الغرب لم يكونوا مهتمين بالمشروع الصهيوني إلا كمشروع لإنقاذ شرق أوربا والتخلص منهم. أما المضمون السياسي لهذا المشروع، فقد كانوا يرفضونه تماماً. كما أن كاليشر لم يدرك حدود الحركة، فأثرياء الغرب يمكنهم التوسط لدى حكوماتهم أو لدى الدولة العثمانية للإفراج عن اليهود أو رعاية أحوالهم، ولكنهم لم يكن في مقدورهم أن يطلبوا من حكوماتهم أن تتوسط لدى الباب العالي ليأذن لليهود باستيطان فلسطين.
وقد وقع هرتزل في هذا الخطأ في البداية، ولكنه تدارك الأمر وطرح مشروعه على الدول الاستعمارية مباشرةً. وقد ساعدته الظروف التاريخية إذ أن الدولة العثمانية كان قد تقرَّر تقسيمها. وقد قرأ هس عن كتاب كاليشر، بعد أن كان قد فرغ من مؤلفه، فنوَّه به.
بدأ النشاط العملي عند كاليشر عام ١٨٣٦ بالكتابة إلى عميد الأثرياء اليهود في العالم (روتشيلد) في برلين ليشرح له نظريته الجديدة عن الخلاص دون انتظار الماشيَّح. وحين تأسست جمعية رعاية الاستيطان اليهودي في فلسطين في ألمانيا، انضم إليها. وفي عام ١٨٦٤، كان كاليشر المسئول عن تأسيس اللجنة المركزية لاستعمار فلسطين في برلين. ثم ساهم في إقامة بعض الجمعيات الزراعية الاستيطانية، كما ساهم في توجيه نشاط الأليانس نحو إنشاء مدرسة زراعية (مكفاه إسرائيل) في فلسطين عام ١٨٧٠.