للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن القداسة هنا قداسة كامنة في المادة لا تتجاوزها، ومن ثم فهي لا تختلف عن القداسة التي يبحث عنها أهارون جوردون وغيره من الصهاينة العماليين الملحدين. ويقتبس كوك من المشناه العبارة التالية: "إن الإيمان يمكن التعبير عنه بقوة الحياة في الزرع، فالإنسان يمكن أن يبرهن على إيمانه بالحياة الأزلية عن طريق الزراعة". ثم ينهي كوك مقاله بعبارة دالة: "ستتحقق عودتنا فقط إذا ما رافقت عظمتنا الروحية عودة إلى الجسد من أجل جسم صحيح قوي وعضلات قوية تُغلِّف روحاً ملتهبة". وهذا الحديث لا يختلف البتة عن حديث داروين أو نيتشه، كما أنه لا يختلف عن الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية. وفي مثل هذه الأنساق، تتحول وحدة الوجود إلى علمانية إلحادية صريحة.

في هذا الإطار الحلولي المادي التجسيدي، يصبح البعث السياسي وإنشاء الدولة اليهودية هو نفسه العصر المشيحاني. ويقدم كوك تاريخاً للدولة اليهودية ولاشتراك اليهود في معترك السياسة الدولية (وهي إشكالية العجز وانعدام السيادة) ، فيلاحظ أن قوى خارجية (وليس الإله) جعلت اليهود يضطرون إلى ترك هذه الحلبة، ولكن يبدو أن الانسحاب تم أيضاً برضاً تلقائي فقد كان العالم آثماً وقذراً ويتخلل الحياة السياسية فيه الكثير من الآثام. ولكن اليوم الذي سيصبح فيه العالم أكثر لطفاً قد دنا، ولذا يجب على اليهود أن يهيئوا أنفسهم ليحكموا دولة خاصة بهم. ثم يعطي كوك هذه الدولة طابعاً مشيحانياً حين يقول: "إن تأمين نظام العالم الذي تمزقه الحروب اليهودية يتطلب بناء الدولة اليهودية. وجميع الحضارات ستتجدد بولادة شعبنا من جديد".

ومن الواضح أن هذه الأفكار إعادة إنتاج لفكرة مشاركة الشعب اليهودي للخالق في إصلاح الكون (تيقون) وفي استعادة الخالق لوجوده وكليته الروحية.

<<  <  ج: ص:  >  >>