وفي عام ١٨٩٣، قام هنري دي أفيجدور بمحاولة أخرى لشراء مساحات من الأراضي في منطقة حوران لتكون قاعدة للاستيطان اليهودي، ولكن المحاولة مُنيت بالفشل نتيجة معارضة الدولة العثمانية وعدم تحمُّس الزعماء اليهود بالتالي لمشروع لا يحظى بحماية قوة كبرى.
وفي العام نفسه، قدَّم أفيجدور التماساً إلى السلطان عبد الحميد نيابة عن جمعية أحباء صهيون، للسماح بتوطين اليهود في منطقة شرق الأردن، وذلك بعد أن قامت السلطات العثمانية بمنع أعضاء الجمعية من شراء الأراضي في فلسطين أو الاستقرار فيها بشكل دائم. وفي الوقت نفسه، قام العلامة بوهلندورف، وهو صهيوني ألماني، بوضع خطة لتجميع أكبر عدد ممكن من اليهود في شرق الأردن للاستقرار فيها وشن غارات منظمة على سكان المنطقة لحملهم على الرحيل تمهيداً لوضع أساس دولة يهودية هناك. إلا أن هذه المحاولات الثلاث لم تحظ بقبول الدولة العثمانية التي كانت تساورها مخاوف عميقة من عواقب توطين اليهود في المحيط العربي وما قد يجره ذلك من صراعات لا طائل من ورائها.
ومع تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية، تسارعت وتيرة المساعي التوطينية الصهيونية وتعدَّدت وجهاتها. فخلال عامي ١٩٠٣ و١٩٠٤، حاول هرتزل إقناع السلطان العثماني، عن طريق مستشاره، بالموافقة على توطين عدد من اليهود في جنوب العراق، مقابل ضع الحركة الصهيونية في خدمة مصالح الدولة العثمانية والمساهمة في حل أزمتها المالية. إلا أن السلطان رفض فكرة الاستيطان الجماعي، لما يمكن أن تجره من عواقب وخيمة على علاقات الدولة ببريطانيا والعرب على حدٍّ سواء، ولكنه أبدى موافقته على الاستيطان اليهودي بشكل فردي وفي مناطق مختلفة داخل العراق أو خارجها بشرط حصول المستوطنين على الجنسية العثمانية، الأمر الذي لم يلق ترحيباً في أوساط الصهاينة الذين كانوا يتطلعون إلى إقامة دولة يهودية وليس مجرد توطين عدة أفراد.